الذي يعنيني على الخصوص أن أعرف كيف يكون سلوكنا في المدرسة وهل نعود إلى (الشقاوة) القديمة التي اشتهرنا بها؟. وهل (نحوي) على المدرسة كما كنا نفعل في صبانا؟. وهل يمكن مثلا أن ننثر الحبر الأزرق على ثيابه البيضاء حين يمر بنا؟. ونضع سن الريشة بين (الدرج) وغطائه ونذهب نخرج منها أصواتاً قد لا تكون موسيقية ولكنها كافية لإزعاج المعلم وبلبلة خواطره وتحييره الخ الخ
والأحلام - على ما يقال - تؤول بضدها، فإذا كان هذا صحيحاً فهل معنى هذا أني سأرتد معلماً؟. . أعوذ بالله. . ولا قدر الله. . لقد نجوت من هذا فلن يردني إليه شيء كائناً ما كان. وذكرت لهذه المناسبة حادثاً مضحكا - أو لا أدري ماذا يفعل - ذلك أني كنت محرراً في جريدة الأخبار. وكانت الأحكام العسكرية مرفوعة في ذلك الوقت ولكن الرقابة التحفظية على الصحف كانت قد ألغيت، وكان صديق لي يبعث إليّ بمقالات عن وزارة المعارف ويضع في ذيلها اسماً مستعاراً مثل (مطلع) أو نحو ذلك فقد نسيت. وكانت هذه المقالات تقض مضجع الوزير يومئذٍ. وكنت أخشى أن نفاجأ بهجوم على الجريدة فتؤخذ الأصول ويعرف الكاتب فكنت أنقلها بخطي وأحرق الأصل؛ ويظهر أن أحدهم اتصل بعمال المطبعة الذين لا يعرفون أن في الأمر سراً لأنهم يرون المقالات بخطي. فاقتنعت الوزارة أني أنا الكاتب ولم تستغرب ذلك لأني كنت من موظفيها ومن رجال التعليم بها. وفي إحدى الليالي كنت عائداً إلى البيت - وكان يومئذ في صحراء الإمام - فصار كل من يلقاني هناك يقول لي: إن الشيخ (يريدون شيخ الإمام وهو قربي) يطلبك فسألت عنه، فلم أجده، فذهبت إلى بيتي ونمت، وفي الصباح بعث إلي الشيخ خادمه فلحقت به فقال:(اركب) فركبت. وكانت له مركبة يجرها جواد أصيل وسألته:(إلى أين إن شاء الله؟) قال (إلى وزارة المعارف) فدهشت وسألته: (وماذا أصنع في وزارة المعارف؟) قال: (تتسلم عملك) فصحت من فرط الدهشة: (عملي؟. . . ماذا تعني؟) قال: (جاءني وزير المعارف أمس وأنت تعرف أنه صديقي وقال لي إنه علم أن المازني قربي وأنه يعتمد علي في إقناعك بقبول العودة إلى وظيفة كوظيفة أقرانك في الوزارة) فأدركت أن الوزير غلط وظن أني أنا كاتب المقالات التي أقامت القيامة وقلت: (إن المسألة فيها غلط. . لست كاتب المقالات) قال: (زي بعضة) قلت: (هذه رشوة لا أستحقها مع الأسف) قال: (يا أخي لا تكن مجنونا)