مصر حارسته وكانت تعلق عليه أهمية تجارية خاصة. وفي سنة ١٥٠٨ م أعني قبيل الفتح العثماني بأعوام قلائل نرى الأسطول المصري بقيادة أمير البحر حسين يهزم الأسطول البرتغالي في البحر الأحمر بقيادة الأميرال لورنسو الميدا، ثم يشتبك بعد ذلك في معارك بحرية شديدة مع أسطولي برتغالي آخر بقيادة أمير البحر الشهير البوكركي على مقربة من باب المندب
والظاهر أن مصر لبثت بعد الفتح العثماني مدى حين تحتفظ بأسطولها، أو على الأقل بسمعتها البحرية، فنرى التواريخ النصرانية تنوه بشجاعة البحارة الإسكندريين في موقعة لبانتو البحرية الشهيرة التي نشبت بين الأسطول العثماني بقيادة علي باشا، والأساطيل النصرانية المتحدة بقيادة الدون خوان سنة ١٥٧١ م، واشتركت فيها إلى جانب الترك وحدة بحرية مصرية، تنوه التواريخ النصرانية بشجاعتها وبراعتها
بل ما لنا نرجع بعيداً، وقد كان لمصر في أوائل القرن الماضي أسطول ضخم، وكانت من الدول البحرية التي يحسب حسابها في شرقي البحر الأبيض المتوسط؛ ففي عهد محمد علي استعادت مصر صفتها القديمة كدولة بحرية، وأستأنف الأسطول حياته في هذه المياه بعد أن قطعت زهاء ثلاثة قرون. ومع أن الأسطول المصري لم يبلغ عندئذ قوته القديمة، فإنه لم يلبث أن غدا عاملا يحسب حسابه. واهتم محمد علي بإنشاء الأسطول منذ بداية حكمه، فأنشأ أسطولاً صغيراً في البحر الأحمر ثم قرنه بإنشاء أسطول كبير في البحر الأبيض المتوسط، وأنشأ بالإسكندرية دار صناعة عظيمة لصنع الوحدات البحرية. ومع أن الأسطول المصري قد نكب في موقعة نافارين الشهيرة في المياه اليونانية سنة ١٨٢٧، فإن عبقرية محمد علي أبت ألا أن تنشئ لمصر أسطولاً آخر أعظم وأضخم، فلم تمض أعوام قلائل حتى كان لمصر أسطول ضخم قوامه ست وثلاثون قطعة من مختلف الوحدات، بها ألف وثمانمائة مدفع؛ وبلغ رجاله نحو ثمانية عشر ألف مقاتل، وذلك في سنة ١٨٤٣ أعني لأقل من قرن مضى. وكانت معظم هذه الوحدات البحرية من صنع دار الصناعة المصرية الشهيرة، وقليل منها اشترى من الخارج وأنك لتدهش حقاً إذا علمت أن الميزانية المصرية لم تزد إيراداتها في ذلك الحين على ثلاثة ملايين جنيه، وكانت هذه الملايين الثلاثة كافية للأنفاق على الجيش والأسطول، ومختلف المرافق والمشاريع الإصلاحية العديدة التي