للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نسعى إلى الفراش إذا مسنا اللغب وأثقل جفوننا النعاس، فنسحب اللحاف، ونسبله علينا. هادئين باسمين لنستسلم إلى الأحلام.

هذه هي الحياة؛ وهذه هي رسالة الأدب: قطع الصخر. وتجرع الصاب، وتحطيم الأصنام. والطفرة على حطامها إلى قمم المجد، وسماء الخلود.

فهل أعد أدباؤنا الناشئون - والكهول أيضاً - نفوسهم ومهجهم وأدمغتهم لهذه المعركة التي وقودها النفوس الطامحة، والقلوب الراغبة، والضمائر الحرة، والعقول النيرة؟

اللهم لا! اللهم لا!

من يمتري في هذا فلا ينعى على أدبائنا الناجمين - وعلى الكهول عندنا - رخاوة العصب. والدلال والدعة والأنوثة واللين؟

من يمتري في هذا، فلا ينعى عليهم ضيق الأفق، وقحط الخيال، وقصر المدى، وضعف الجنان، وتهيب القديم لأنه قديم، وحب الجديد لأنه جديد، والحرص على السلامة والمسالمة، والراحة والركون، والنفرة من المصاولة والمعاركة وقلة الجلد على حياة الجهد والتعب والضوضاء، والتهيب من التجربة والإقدام، وضعف التعلق بالحق والمثل الأعلى والجمال؟

أن حياة الأدباء أصبحت مضرب المثل، ووحدة القياس، في خمول النفس، وكسل العقل، وضعف الاستعداد للحياة؛ فإذا قيل لك: هذا أديب فاعلم أنه من هؤلاء الذين يخرجون إلى الشارع، والفراش على أكتافهم (والمخدة) فوق ظهورهم.

أجل! إننا لا نرى من ينقطع إلى الأدب من شبابنا إلا الذين خانتهم أقدامهم في الوثوب إلى مراقي المجد، والطفرة إلى قمم الظفر والذين نزلوا إلى ميادين الحياة، فلما بلوها وبلتهم، وعجموها وعجمتهم ولوحت لهم بسياطها من بعيد هرولوا وارتدوا على أعقابهم ناكصين حائلة ألوانهم، مرتعدة فرائصهم، ثم انتحوا جانبا قصياً من الطريق، بعيداً عن مواطن أهل الرجولة الإقدام، على غرار العاجزين المتسولين الذين يقبعون في زوايا الشوارع القذرة، أمام أهل الأعمال.

ها هم أولاء شبابنا الذين يخفقون في الشهادات (والبكالوريات) تسألهم: ما تصنعون؟ فيقولون: ندرس الأدب. وهكذا أصبحت دراسة الأدب صناعة العجز، ودليل الخور،

<<  <  ج:
ص:  >  >>