يمكن أن يسمى علياً بحال من الأحوال.! فلما دعوته مرة أو مرتين باسم (علي) وصدقت ما قال تدرج إلى غشي ومخادعتي في غير ذلك موقناً أنني سأجهل الحق كما جهلته في استبانة اسمه الصحيح. وأين. . . نعم أين بالله علي من إدريس؟!
هذا مثل هابط جد الهبوط في ملازمة الأشياء لمظاهرها وأسمائها بحيث لا تقبل الاختلاف ولا التصور على مثال آخر، ولكن الذين يهبطون هذا الهبوط كثيرون وإن لم يظهروا هذا الظهور. وما من ناقد ينكر كلاماً لأنه يخالف أسلوباً من الأساليب إلا وهو قريب إلى طبقة ذلك الفدم الذي يستجهل كل من يتخيل أن أسماء تطلق على الناس غير اسم إدريس!
كنا نناقش أستاذاً مدرساً في مسألة اجتماعية فاحتج علينا برأي فيها لبعض الأئمة السابقين، قلنا: وهل هذا الإمام حجة فيما نحن فيه؟
قال: سبحان الله! إننا نقضي العمر نتعلم اللغة العربية ولا نحذقها كما حذقها ذلك الإمام وهو طفل لم يتعلمها على معلم. أفيكون هذا حظه من الفهم ثم يجهل كلاماً نحن ندريه؟
قلت: أو لم يخطر لك أن ذلك الإمام يقضي العمر يتكلم اللغة العامية التي نحذقها نحن ولا يبلغ من حذقها ما بلغناه؟ أو لم يخطر لك أن الطفل المولود بين الفرنسيين أو الإنجليز أو الألمان يسبق ذلك الإمام إلى معرفة الفرنسية أو الإنجليزية أو الألمانية؟؟ أتظن أن العربي وحده يحسن اللغة التي يتكلمها؟ وإذا أحسنها أتظن أنه يحسن كل شيء على هذا المنوال بغير كتب وبغير معلمين؟
فلاح عليه وأنا أساجله السؤال أنه لم يكلف بداهته قط أن تتصور للأمور أوضاعاً غير الوضع المعروض عليه. وقد تنساق أمة كاملة إلى خطأ شبيه بخطئه كما انساق العرب إلى تسمية الناس جميعاً (بالأعاجم) لأنهم لا يفهمون ما يقولون
ولست أرى ميزاناً للنقد والذوق أصوب وأحكم من سؤال المرء عن عشرة شعراء أو فلاسفة يقرأ لهم ويعجب بهم ويشهد لهم بالشعر والفلسفة. فكلما اختلف هؤلاء وتباعدت بينهم أوجه الشبه وأسباب الاختيار والترجيح كان ذلك دليلاً على سعة القريحة وقدرتها على الاستحسان لجملة أسباب متفرقات لا لسبب واحد متكرر محدود. وكلما تماثل هؤلاء وتقاربوا كان ذلك دليلاً على ضعف النقد وعجز الملكة الموكلة بالاستحسان والانتقاء
ومن هنا نعتقد أن البارودي خطا بالنقد العربي خطوات كما خطا بالشعر في معناه وأسلوبه.