نعتبر موقعة رو كروي خاتمة الطريقة الحربية في القرون الوسطى وبداية الحروب الحديثة التي تبرر جميع الوسائل وتجعل القتال أشد هولاً مما كان.
وهذه القواعد التي ذكرناها لم تكن مقبولة في كل موطن، فهي لم تكن تطبق إلا في أوربا المسيحية التي كان يحيط بها الأرتوذكسية اليونانية والإسلام، ثم الآسيويين الذين كانت أوربا تطلق عليهم اسم البرابرة.
نستنتج مما سبق أن أوربا في تلك العصور كانت تشتمل على وحدة حقيقية على رأسها البابا والإمبراطور، ولكن في أواخر القرن الرابع عشر وخلال القرن الخامس عشر قويت الأمم في كل النواحي وأخذت كل أمة طابعها الخاص، وشرعت تتناضل وتتقاتل. ثم ظهر الإصلاح الديني على يد لوثر وكلفن، فأصاب المسيحية بضربة شديدة وفرقها شيعاً.
وعقب هذه الحوادث، رغب الناس في إقامة نظام جديد للعلاقات الدولية. وحاول أحد رجال الدين من الجزويت (سوارز ١٥٤٨ - ١٦١٧) أن يقيم نظاماً أقوى على الثبات من نظام القرون الوسطى، بأن يدخل على العلاقات الدولية مبادئ المسيحية الثابتة. أدرك هذا الرجل أن لكل دولة الحق في سيادة زمنية متينة، على أن تكون فيما بينها جميعاً جمعية حقيقية. ثم ذهب علماء البروتستانت إلى أبعد من هذا، وجعل جنتليس أولاً ثم جرتيوس من بعده مكاناً أكبر في تعاليمهما لسيادة الشعوب، وأعلن في شجاعة أن العلاقات الدولية ينبغي أن تحرر من كل صبغة دينية. ولجنتليس في هذا المقام كلمة مأثورة لاقت رواجاً هائلاً في ذلك الوقت وهي (فليعتصم علماء اللاهوت بالصمت في هذا الميدان، لأنه غريب عنهم وهم غرباء عنه) والمفكرون الذين أتوا من بعدهما، عملوا على توكيد آرائهما حتى انتشرت انتشاراً كبيراً.
ولما تولى هنري الرابع عرش فرنسا جدد بناءها وأراد أن يعيد بناء أوربا كلها، وكان هذا الحلم موضوع حديثه في أغلب الأحيان مع وزيره سوللي. وقد أعد هذا الوزير ما سمي (غرض هنري الأكبر) وخلاصته أن تكون أوربا اتحاداً حقيقياً مسيحياً مكوناً من ست دول ملكية وراثية، وخمس دول ملكية انتخابية، ثم خمس جمهوريات. وكان سوللي يرى أن هذا المشروع لا يمكن تحقيقه إلا إذا انهارت قوة الأسرة الملكية النمسوية، ومن هنا نشأ النضال ومقاومة الحركة الجرمانية. وكان الغرض أن يوضع على رأس الاتحاد المسيحي المرغوب