فيه مجلس مكون من ستين عضواً تنتخبهم الدول الداخلة في الاتحاد، ويقيم هذا المجلس في هذه الجدول على التوالي، وأن تكون أحكامه إجبارية، وتوضع تحت تصرفه لهذا الغرض قوة مادية عامة، وأن تكون حرية التجارة كاملة بين جميع البلدان التي يشملها الاتحاد. ثم رؤي أن يكون أول عمل يقوم به هذا الاتحاد هو إبعاد الأتراك عن أوربا. ومات هنري الرابع من قبل أن يرى هذا المشروع الكبير نور الإنفاذ، ولكن فكرته استقرت في النفوس والأذهان، وظهرت آثارها في المؤتمرات السياسية. ففي مفاوضات وستفاليا التي اختتمت بها حرب الثلاثين سنة في عام ١٦٤٨، دار البحث عن وسائل تقضي على الاضطراب الألماني من ناحية، وتجعل ألمانيا غير ذات خطر على أوربا من ناحية أخرى. وكان في ألمانيا حينذاك قوتان: الإمبراطورية وكانت في حالة تدهور وانحلال، ونحو أربعمائة دولة صغيرة تخضع إلى حد ما لسلطان الإمبراطورية، ففصلت هاتان القوتان حتى لا يتكدر صفو السلام، وأعلن أن هذه الدول الصغيرة أصبحت مستقلة عن الإمبراطورية، وهذا الإعلان سمي بالحريات الجرمانية، وقد ضمنت هذه الحريات الدولتان الظافرتان فرنسا والسويد. وهذا يعني أنه في ذلك الوقت ظهرت فكرة إنشاء توازن أوربي ضامن للسلام الدولي
وفي نهاية القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر، كثرت حروب لويس الرابع عشر حتى اشرأبت أعناق الناس للصلح والسلام، وجرى البحث عن كيفية تنظيمهما وإقامة أسسهما. وبعد معاهدة أترخت سنة ١٧١٣ نشر القسيس دي سان بيير - وقد حضر المفاوضات بصفته سكرتيراً - مشروعاً يجعل السلام دائماً في اعتقاده، وأمل في وضع قانون عام لأوربا كما كان الحق الخاص للأفراد مقرراً بالأوامر الملكية. وأعلن القسيس أنه للمحافظة على سلام العالم، ينبغي إنشاء محكمة عامة تكون أحكامها إجبارية. والدول التي تأبى إنفاذها يجب أن توضع خارج القانون. والذي يلفت النظر هو أن مشروع القسيس دي سان بيير أوسع مدى من مشروعات سابقيه، فلم يكن خاصاً بأوربا وحدها، بل بالعالم كله. وقويت هذه الفكرة على مر الأيام وظهرت آثارها في عدة مناسبات وعدة معاهدات مثل معاهدتي ١٧٦٢، ١٧٨٣، كما نتج عنها فكرة العمل على خير الإنسانية التي ظهرت في كتب جان جاك روسو