للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كما هي الحال مع سائر الكائنات، ولكن له فوق ذلك مقدرة على إدراك الله وتقليده، ثم معرفة أجزاء العالم عن طريقه، لأنه يعتقد أن الله جل شأنه هو الذرة السامية الكاملة وهي أساس الذرات جميعا، منها تنبثق، كما ترسل الشمس ضوءها، فإذا ما أرادت ذرة أن تتصل بأخرى، كان لزاما عليها أن تتصل أولا بذلك الأساس أو قل (السنترال) لأنه بمثابة المركز الذي تتفرع عنه الطرق جميعا.

نظرية المعرفة:

من أين جاءت إلى الإنسان هذه المعلومات التي تملأ شعاب ذهنه؟ أما (لوك) فرأيه في ذلك معروف. وهو أن كل معلوماتنا إنما جاءت عن طريق الحواس فأثرت في صفحة الذهن التي برزت إلى هذا العالم نقية بيضاء لا تشوبها شائبة، وأما (ديكارت) فيزعم أن الطفل يولد مزودا ببعض الآراء الفطرية التي لا يمكن أن يحصلها بالتجربة، طرفان متناقضان من الرأي، كتب لهما أن ينتهيا إلى ليبنتز الذي لا يعجز عن جمع المتناقضات في وحدة متسعة! ألم يوفق بين مذهبي الفردية والكونية، وأخرج منهما فلسفة الذرات القوية؟ وهاهو ذا كما عهدناه يوفق بين لوك وديكارت في نظرية تحصيل المعرفة! فهو من ناحية ينكر على لوك رأيه في انعدام الآراء الفطرية. ويرى هو أن للعقل أساسا من المعلومات يستحيل أن يحصل بدونه شيئا، فيولد وهو يحمل بين طياته معرفة كامنة بالقوة ولا تصل إلى درجة الشعور إلا إذا أيقظتها التجارب التي تنفذ إليها عن طريق الحواس، فليس من شك في أن الطفل يولد مزودا بميل إلى استطلاع الحقيقة قبل أن يصادف من حياته تجربة ما، ويكفي أن يكون لديه تلك القوة العقلية وحدها ليجوز لنا القول بأن له معرفة فطرية، وإذن فيجب أن نكمل نظرية لوك التي يلخصها في هذه العبارة: (ليس ثمة في العقل من أثر إلا ما تبعثه الحواس) بأن نضيف إليها هذا التعديل: (اللهم إلا العقل نفسه)!! كذلك ينقض ليبنتز رآى ديكارت في الآراء الفطرية، فلا يذهب معه في أن المعرفة التي تولد مع الطفل تكون عند الولادة محددة واضحة، إنما يعتقد ليبنتز إن تلك المعرفة تكون بادئ الأمر سابحة في اللاشعور، وتظل غامضة مهوشة حتى تدركها التجربة فتوقظها من مكامنها وتزيل ما يغشاها من غموض بما تنشره على معالمها من ضوء، فحياة العقل عبارة عن تقدم مطرد مستمر من إدراك مهوش مضطرب إلى إدراك دقيق محدود. شأنه في ذلك شأن كل ذرة في

<<  <  ج:
ص:  >  >>