إلا قبساً من فلسفة ما وراء الطبيعة. ونقد (تييودي) الذي أوجد الاتصال بين الرمزية وفلسفة برغسون هو نقد مشبع بالروح الفلسفية المرتكزة على فلسفة الفنون والآداب. وهنالك النقد الاجتماعي والأخلاقي الذي يقيد الأدب والفن ويرى صلاحهما بمقدار معالجتهما للمسائل الاجتماعية والأخلاقية، ولا ينصرها إلا بمقدار ما ينصران الأخلاق. وهكذا نجد في النهاية ألواناً كثيرة للنقد نشأت لتحليل ألوان الأدب وكل غايتها أن تفتح للأدب آفاق التجديد والإبداع.
لقد دخلت هذه المدارس النقدية أدبنا وعملت فيه - على غير نظام - وأثرت فيه تأثيراً مباشراً. وليس طه حسين والعقاد وأحمد أمين إلا وليدي هذه المدارس على اختلاف الاقتباس وتباين الطرائق! على أنكم إذا شئتم أن تقارنوا من أنتجهم أدبنا الحديث - بين الناقدين والمبدعين - فسدت المقارنة وشالت كفة المبدعين، لأننا لا نجدهم كما نجد الناقدين. وهذا الأمر يجعلني أعتقد بالنظرية التي أعلنتها (إنا بدأنا بالنقد قبل أن نبدأ بالأدب) فنقادنا الذين تثقفوا بالأدب الغربي قد فتحوا فتحاً جليلاً في أدبنا القديم. ولكنه فتح لم يعد بكل الفائدة على توجيه أدبنا الحديث. فأدبنا الحديث لا يزال جامداً مقلداً لا تتلمس في أقلام أدبائه المبادئ الفنية التي يجب أن تكون فيهم؛ وبهذا أفاد الأدب العربي الناقدين ولم يفد الأدباء المجددين.
قد يقول حاملو لواء التجدد: إننا نريد التجديد والتطور، ولكن القدماء يمنعون علينا هذا التطور ويجدوننا في أدبهم هدامين. ولأصحاب المذهب القديم أن يقولوا ذلك لأنهم يرون في أساليب المجددين التواء وتنكباً عن الأساليب العربية؛ ثم لا يجدون في أساليبهم ذلك العسل المصفى الذي يبشرون به. وما ذلك إلا لأن جل المجددين أنفسهم يمشون ولا يدركون أين يمشون! ويأخذون من كل ثقافة برقعة فيأتي ثوبهم مؤلفاً من رقع! فهل درسوا نظرية كل مدرسة في الفن والحياة؟ فليس الأدب الغربي كله من هذه البضاعة التي ألف أن يحملها إلينا من حين إلى حين أناس لم يستقيموا لأدبهم ولم يستقم الأدب العربي لهم. وإنا إذا دعونا إلى التجديد وإلى تدبر الأدب الحديث فلا ندعو إلى تعطيل الأسلوب العربي والبيان العربي، لأننا نعلم أن لكل لغة من بيانها صبغة إذا زالت زال منها كل لون من ألوان عبقريتها. ولكنا لا نجد حرجاً في خلق المدراس الجديدة ليغذي أنصار كل مدرسة