للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التي ألفها فاجنر بعد عهد الصبا لنيتشه.

وعندما التحق نيتشه بجامعة (بون) عام ١٨٦٤ كان يرغب في دراسة اللاهوت، ولكنه نزع عام ١٨٦٥ إلى دراسة الآداب الكلاسيكية إلى جانب درسته الأصيلة. غير أنه هجر فيما بعد دراسة علوم الدين وتعلق بالبحث في العلوم، ثم رحل إلى (ليبزج) طلباً لحرية الفكر وحرية الرأي، ولكنه سرعان ما أدرك (أنه لا يوجد مكان تتوافر فيه حرية الفكر) وكان شوبنهاور قد ساعده على تحرره من عقيدته الدينية، بعد أن أتصل به في (ليبزج) التي قال فيها نيتشه: (هنا وجدت مرآة رأيت فيها العالم والحياة كما رأيت نفسي منعكسة بها في أجلي وضوح؛ وهنا حدقت في عين شمس الفن الذي لا نهاية له؛ وهنا رأيت المرض والبرء، رأيت المنفي والملجأ، رأيت النار والجنة) وفي هذا ما يدل بمفرده على مقدار تأثر نيتشه بشوبنهاور، كما تأثر به بعد ذلك في أبحاثه الأدبية التي كتبها أثناء دراسته في الجامعة، والتي أدهشت أساتذته، إذ عجبوا لأسلوبه العلمي الرصين. ولكن كل أبحاثه الأدبية لم تكن لتغريه إذ كانت تنقصها الفكرة الإنسانية. ودفعه هذا الاتجاه الجديد في تفكيره إلى تغيير منهج دراسته الذي كان قد صمم عليه. فقد كتب إلى صديق له عام ١٨٦٩ يقول: (إننا دون شك أتباع القدر. فمنذ أسبوع أردت أن أكتب إليك بأني اعتزمت دراسة الكيمياء وترك دراسة الآداب لمن هم أليق بها مني، وهؤلاء هم الشيوخ. والآن يغريني شيطان القدر بالأستاذية في الآداب).

ولم يكن تعرّف (نيتشه) إلى (شوبنهاور) أهم ما وقع للأول في حياته إذ أن تعرفه إلى فاجنر قبل نزوحه إلى (باذل) كان له أثر عميق في نفسه. ولم يكن حب (نيتشه) لموسيقى (فاجنر) وليد يومه، بل لقد أعتبر (نيتشه) صديقه (فاجنر) الممثل لكل الفنون الحديثة التي أرتشفها وهضمها. وبلغت تلك الصداقة أبعد مدى لها سنة ١٨٨٨ عندما قضى كلاهما الصيف في قرية بالقرب من (لوزرن) وحرص نيتشه على ألا تنتزع الأيام منه هذه الصداقة، وود لو أن تبقى صلته بصديقه فاجنر إلى الأبد، وقال عنها: (لقد كانت أيام تبادلنا فيها الثقة، أيام مرح وسرور. والحق أنها لحظات لها أعمق أثر في نفسي). قال ذلك نيتشه عن صديقه الذي أخلص له فقال فيه: (إنني لا أعرف ماذا كان حظ الآخرين من مصادقتهم لفاجنر، إلا أني أعرف أن سماءنا لم تغشها سحابة قط) وما ذلك إلا لاعتقاد نيتشه بأن

<<  <  ج:
ص:  >  >>