صديقه عبقري كريم الخلق، تنطبق عبقريته على وصف شوبنهار للعبقريات
وفي ذلك العهد ألف نيتشه أول كتبه القيمة الذي أسماه (انحدار التراجيدية من روح الموسيقى وأتمه عام ١٨٧١ وقد ضمنه أهم ما وقع له في حياته الخاصة وصداقته مع فاجنر، كما ضمنه مراميه الأولى والأخيرة في الحياة، ومساس الحاجة إلى الموسيقى. ولقد كتب كتابه هذا بأسلوب رائع تجلى فيه هيامه بالفنون، وأثبت قدرته على البحث كعلامة. ولم يحجم نيتشه عن أن يقول رأيه في الفنون الإغريقية وفي الإغريق. ويعد كتابه هذا من أروع الكتب الكلاسيكية التي تناولت الفن من عديد نواحيه التاريخية والفلسفية والعقلية. فلقد حاول نيتشه (أن يرى العلوم والمعارف بعين الفنان، وأن يرى الفن عن طريق الحياة) وهاجم في كتاب آخر له أسماه (نظريات لا تتفق وروح العصر) ووضعه فيما بين سنة ١٨٧٣ و ١٨٧٥ - عديد الاتجاهات في الثقافة الألمانية. فقد قال بأن ألمانيا تعيش في حالة همجية من الثقافة. وأفصح في هذا الكتاب عن طبيعة الحقائق الواقعية وما يقع تحت الحس في كل آن. وطالب بأن يكون الفن ممثلاً للعصر والحياة. وفي هذا الكتاب ينزع إلى المثل العليا، كما يميل في كتابته إلى التهكم المشبع بروح الفكاهة، وفي كتابه الذي أسماه (بعض فوائد ومضار التاريخ في الحياة) قال بأن كثرة المعلومات ليست وسيلة الثقافة، ولا هي دليل عليها إذ المسألة متعلقة بالسمو في الحياة. أما التخمة الناجمة عن التهام التاريخ وحشره في الرأس حشراً فإنها تجعل الحياة مريرة كما تجعلها خطرة. فالتاريخ يضعف الشخصية، ولا يمكن لشخصية أن تتحمله إلا إذا كانت غاية في القوة. أما ضعاف الشخصية فالتاريخ يؤيدهم، إذ يصبحون دائرة معارف متنقلة، ولا يكون لهم رأي، وإن جرأوا على ذلك فهو رأي محايد، ليس لشخصيتهم فيه أثر. ومن رأيه (أن وظيفة الإنسانية أن تعمل دون انقطاع لتخرج إلى العالم شخصيات عظيمة). والذي جر نيتشه إلى هذا التفكير هو شدة تأثره (بشوبنهاور) و (فاجنر)، غير أن أثرهما فيه لم يدم إلا بعض الزمن. فقد أدرك عندما شاهد حفلات (بايرويت) - الحفلات الموسيقية والتمثيلية السنوية الهامة - أدرك أنه خدع في رأيه، فقال بأن فاجنر يتخذ وسائل خشنة جامحة لإظهار تلك الفخامة العاصفة. وذلك الاضطراب العظيم المخيف وإن كان مزركشاً ومحلى بزخارف بهيجة أبغض الأشياء إلى نيتشه.