حاجة إلى أكثر من عشرة أيام لوضعه، فجاء في أسلوب من الشعر المنثور الذي لا يجارى. وكتب كتابه هذا أثناء تجواله في طريق (زاوجلي) الذي يطل على خليج (رابللو) بالقرب من (جنوه) هنالك نزل على نيتشه وحي ذلك الكتاب الذي أختار له أسم (كتاب للجميع ولغير أحد) وجعل له عنوناً آخر (هكذا قال زرادشت) , كذلك أتم الجزء الثاني والثالث منه في عشرة أيام أخر. فكتب الجزء الثاني في بلده (سلز ماريا) بين أواخر يونية وأوائل يولية من عام ١٨٨٣ وأتم الجزء الثالث في يناير سنة ١٨٨٤ في مدينة (نيس). أما الجزء الرابع الذي كتبه لأصدقائه فقط فقد أقتطع من وقته زمناً أطول. وكان نيتشه أثناء وضع هذا الكتاب على أتم ما يكون من عافية وصحة. وكان لا يسأم السير في الجبال التي كانت توحي إليه بكل ما يكتب كما أن البحر الممتد أمامه كان له أثر في ذلك الوحي. ولقد كتب (زرادشت) كما لو كان يرقص أو يلعب. فقد قال بلسانه (كان من السهل أن يراني الناس راقصاً. وكنت لا أعرف للتعب معنى. فقد سرت في الجبال عدة أيام، وفي كل يوم أسير سبع أو ثماني ساعات متوالية، وكنت أنام ملء جفني، وأضحك من كل قلبي. لقد كنت مستكمل كل معدات الحياة والفكر صبوراً. وكان هذا العهد يختلف عن تلك الأيام التي كتب فيها (إنساني، وإنساني إلى أبعد حد) اختلافاً كلياً
وكم كان نيتشه شكوراً في كتابه الرجل الطيب الذي أتى فيه بشيء من مذكراته لعام ١٨٨٨.
ويعتبر كتاب (زرادشت) الذي وضعه نيتشه في رأي بعض النقاد ومنهم بيتر جاست (من الكتب الواجب تقديسها). وقال نيتشه نفسه فيه (إنه نوع أنيق من الدعاية للأخلاقيات.) بل هو (شعور نبي). (وهذا الكتاب رقص وموسيقى، هو ألحان جميلة وحكم غالية، هو العاصفة والهدوء، هو المرح الكامل والظرف والغضب، وهو إلى جانب ذلك مرعب ومخيف، إذ فيه أسرار دفينة.) وإنه (كالغابة والليل والأشجار أي مجمع الظلام، فمن لا يخاف ظلمته سيجد فيه زهوراً ورياحين) هذه هي كلمات نيتشه في كتابه الذي كان يعجب به ويسميه (قرار المحيط). وكتاب زرادشت هذا يعد بأجزائه الأربعة صباح وظهر وعصر ومساء اليوم الذي سيولد فيه الإنسان الكامل أو السوبرمان كما أسماه. وهذا الإنسان الكامل قد تخيله نيتشه في كتابه (العلم المرح). ولهذا الإنسان وحده حق الحياة ومن أجله