يختلف مع كانت في تفكيره إذ يتساءل: لم الاعتقاد في مثل هذه الأحكام عن الأخلاقيات؟ وفي رأيه أنه لا يوجد مظاهر أخلاقية، ولكن توجد تعابير أخلاقية للمظاهر. وكما يوجد لطبقة السادة تعاليمهم الأخلاقية، كذلك يوجد لطبقة العبيد تعاليمهم الأخلاقية الخاصة بهم. ولهذا فالخير والشر أشياء تتغير معانيها بتغير الزمان وتغير البيئة. ويرى نيتشه (أن التعاليم الأخلاقية لطبقة السادة كانت قد اختفت من أوربا ألفي سنة إلا أنها رجعت في عصره، وكانت قد بلغت أوجها حينما وصل نابليون أسمى مجده. وفي رأي نيتشه أن الخير لا يوجد إلا عند الفقراء الذين لا قوت لهم، وعند الضعفاء الذين لا حول لهم، وعند المرضى والقبحاء وهؤلاء جميعاً هم المتدينون)
وكان نبتشه قبل إصداره كتابه الأخير على وشك إتمام نصف كتابه الأعظم (قوة الإرادة لبلوغ الحكم ومحاولة قلب القيم جميعها) , وما يقصد نيتشه من (قوة الإرادة لبلوغ الحكم)؟ هو يقول:(إن الكائنات الحية تعمل قبل كل شيء أتظهر قوتها إذ الحياة هي قوة الإرادة لبلوغ الحكم) وهو يرى في الجزء الأول من هذا الكتاب الذي لم يتم وضعه أن اللاإرادة هي المسيطرة على مشاعر الناس. وبذا تسيطرت اللاإرادة على الإرادة للحياة. وفي الجزء الثاني من الكتاب نقد لكل القيم العليا: ففيه نقد للدين ونقد للأخلاقيات ومثلها العليا ونقد للفلسفة. أما الجزء الثالث فقد جعله كتاباً خاصاً بمبدأ تقرير القيم الجديدة. وقد أعتمد في وضع قيمه الجديدة هذه على اللاإرادة التي أعتبرها أساس القوة وأساس السيطرة. ونظرته في الحياة هذه أصبحت عقيدة. فقال إن الإرادة أساس الحكم في الطبيعة، وهي أساس الحكم عند الفرد والجماعة، وهي أساس الحكم في الفن. أما كتابه الرابع فقد أراد أن يكون تمهيداً لتطور وازدهار هذه الفكرة. وينتهي الكتاب بالقسم الأخير منه الذي أختار له (العودة الأبدية) عنوناً. ولكن لسوء الحظ لم يتم نيتشه كتابه هذا، وكان الجميع يتوقعون أن يزدان به الأدب الألماني. ولم يكن هذا كل ما كان يريده نيتشه، بل لقد وضع تصميم كتاب آخر عن (الوحدة والانعكاف) في جزء خاص من كتاب (زرادشت) ولكن الأجل لم يمهله؛ ولم يعش ليرى أعماله تنتشر وتروج. وكانت سنة ١٨٨٨ هي أكثر السنين التي أنتج فيها نيتشه مؤلفاته
وقد لاحظ النقاد في بعض كتبه الأخيرة انطفاء جذوة فكره، وبدت عليه أعراض الخبل،