للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التاسع عشر اشتغل بجمع بعض النصوص الصينية، ليثبت منها هذا الوحي الإلهي، وإن عدداً كبيراً من القسس والعلماء قد حاولوا أن يربطوا بين التوارة وبين الكتب الصينية تارة في الأخلاق وتارة في أصول العقيدة، وثالثة في اللغة على نحو ما رأينا من التحككات اللفظية التي قام بها العلماء بين الفلسفتين: الهندية والفارسية. ويستطرد هذا العالم فيقول ما ملخصه: وقد ظلت الفلسفة الصينية مجهولة القيمة في وربا إلى القرن التاسع عشر، وهذا طبيعي، لأن الفلسفة التي تسمو فيها الأخلاق إلى هذا الحد لا يمكن أن تفهم حق الفهم في العصور التي - مع الأسف الشديد - لا تعني بالأخلاق كثيراً؛ ولكن العجيب في رأيه هو هذا التناقض البارز الذي وجد كثيراً في كتب (المُستصْيِنين) والذي أنزل أولئك الباحثين في نظر (زانكير) منزلة العوام والأميين كما يصرح بذلك بعد أن يسرد طائفة كبيرة من آرائهم المتضاربة المتناقضة ثم يسأل أولئك المتعاليين متهكماً فيقول: تقولون إن العقلية الصينية غير جديرة بالأحترام، لأنها لم تترك تراثاً علمياً، فهل تستطيعون أن تنبئوني متى عرفت أوروبا العلم؟ وهل كان لديها أقل فكرة قبل القرن السادس عشر عن العلم أو عن مناهجه الحديثة؟ وهل كل شعوب أوروبا لم تكن مستوية مع الصين في هذه النقطة تمام الاستواء إلى عهد النهضة؟

على أن هذه التهمة التي رموا بها العقلية الصينية هي باطلة من أساسها؛ فالصينيون قد عرفوا منذ أكثر من ثلاثين قرناً الرياضة والفلك إلى حد أم كان لهم فيهما بحوث قيمة تدور حول بعض معقدات فروع هذين العلمين مثل معرفة الفروق الدقيقة بين السنتين: الشمسية والقمرية، ومعرفة أوقات دورات هذه الأفلاك الثلاثة: الأرض والشمس والقمر بالنسبة إلى بعضها. وفوق ذلك فقد كانت لهم دراية عظيمة بالأدب ونقد النصوص والتاريخ والجغرافيا وتاريخ الفنون وعلم اللغات. كل هذه المواد كانت معروفة ومدروسة في الصين بدرجة من العناية لم تكن تبلغها أوروبا قبل القرن السادس عشر

أما العلوم الطبيعية فيكفي لإثبات نبوغهم فيها أن نلعن في فخر أنهم هم الذين اخترعوا البوصلة وأحجار المناظير ورواسم (كليشهات) الطباعة المصنوعة من الخشب، وأنهم عرفوا الورق والحرير و (البورسيلين) والطلاءات الثابتة وبرزوا في كل هذا على أوروبا قبل عصر النهضة

<<  <  ج:
ص:  >  >>