نعم إن أوربا قد سبقت الصين في هذه العصور الحديثة، ولكن ذلك ليس معناه نقص العقلية الصينية أو عدم استعدادها للنبوغ في هذه العلوم، كلا، وإنما هو ناشئ من أن الصينيين لم يحتكوا بأوروبا احتكاكاً مباشراً متواصلاً، فلم ينلهم نصيب كبير من هذا النمو العلمي الحديث، ويدل على ذلك أن الشبان الصينيين الذين أخذوا بحظ من العلوم العصرية لم يكونوا أقل نبوغاً من شباب أي شعب آخر
ثم يعلق الأستاذ زانكير على هذا بقوله: والآن نعود إلى النقاش في مشكلة الفلسفة المنهجية فنسأل أولئك المتجنين على الصينيين: ماذا يقصدون بهذه العبارة؟ إن كانوا يريدون بها تطبيق مناهج العلوم التجريبية على الفلسفة، فنحن نوافقهم على أن الصينيين لم يعرفوا هذا الفن، ولكننا نعود فنهمس في آذانهم بأن أوروبا لم تنجح في هذه الطريقة إلى الحد الذي يبرز هذه الطنطنة، ويستدعي تلك الكبرياء. بل بالعكس إن أحدث الآراء الفلسفية المحترمة قد عدلت نهائياً عن هذه الفكرة، وآمنت بأن العلم قد عجز أن يكون أستاذ الفلسفة وملهمها، وأعلن استعداده إلى العودة من جديد إلى بنوتها والتتلمذ عليها، واعترف أن مناهجه الميكانيكية ليست إلا جزءاً من مناهج الفلسفة ابتدعته هي حينما ألجأتها الحاجة إلى دراسة المظاهر الخارجية التي لا تعرف إلا عن طريق هذه المناهج التجريبية. وأخيراً فهل سقراط وأفلاطون والقديس أوجستان والقديس توماس - ولم يعرف واحد منهم المنهج التجريبي - لم يكونوا فلاسفة في نظر أولئك المتجنين؟
نحسب أننا بعد هذا كله قد رسمنا لك صورة واضحة للفلسفة الصينية في شكلها العام، ولِمَا أصدر عليها الباحثون من أحكام متسرعة لم تلبث أن انهارت أمام النقد العصري النزيه
مصادرنا عن الفلسفة الصينية
يرى العلماء أن أهم مصادر فلسفة شعب من الشعوب هو الكتب التي سجلت فيها آراؤه الفكرية وأخلاقه العملية، وأن أصدق ما يحقق هذه الغاية عند الشعوب القديمة هي الكتب الدينية، لأن الدين والفلسفة توءمان في النفس البشرية لا يستطيع أحدهما أن يستغني عن الآخر، إذ لا تكاد العقيدة الدينية تستقر في النفس حتى توقظ التفكير الذي هو مبدأ الفلسفة، ولا تكاد الفلسفة تبدأ في مهمتها دون أن تفتتحها بالبحث عن الإله، وهو الجوهر الأساسي في العقائد. وإذن فنستطيع أن نجزم بأن الدين والفلسفة شقيقان مستقلان بدآ من مصدر