للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

واحد متجهين إلى غاية واحدة وإن اختلفت أثناء الطريق وسائلهما، بل قد يعظم هذا الاختلاف حتى يصل إلى درجة الخصومة كما حدث بين (أنا جزاجور) ورجال الدين في أتينا، أو بين الفلاسفة ورجال الكنيسة في أوروبا في القرون الوسطى، ولكن الصينيين لحسن حظهم لم يعرفوا هذه المعارك الدامية التي شهدتها أوروبا المتمدينة بين الفلسفة والدين مراراً عدة، بل ظل العقل والدين عندهم في وئام وسلام يتعاونان تعاون الشقيقين على حل خفايا الكون ومشكلات الوجود.

لهذا كله كان من الطبيعي في الصين - أكثر منه في أي بلد آخر - أن نبحث عن مصادر الفلسفة بين صفحات الكتب الدينية وفي تقاليد الشعب وعاداته الشفهية، وهذا هو الذي كان بالفعل، إذ اعتمد الباحثون العصريون في الفلسفة الصينية على ما يأتي:

(ا) العادات والتقاليد الدينية التي ظلت - بفضل العزلة - كما كانت منذ آلاف السنين، ولم تنل منها هذه العصور الطويلة كما نالت من تقاليد الشعوب الأخرى، والتي لا تزال قادرة على إعطائنا صورة أمينة لما كان عليه العقل الصيني منذ تلك العهود.

(ب) الكتب الدينية الخمسة المسماة: (وو - كينج) والتي يمكن أن تعد بين أقدم الكتب الإنسانية، ومع ذلك فلا يستطيع العالم الدقيق أن يطمئن إلى هذه الكتب كمصادر موثوق بها عن العصر الأول، إذ قد ثبت أن أكثرها كتبه (كونفيشيوس) ملخصاً بأسلوبه الخاص، ولهذا ينبغي للباحث الاحتياط من هذه الكتب كما يقول أحد العلماء الألمان، ولكن ليس معنى هذا أننا نتهم (كونفيشيوس) بتشويه هذه الكتب، كلا، ولكنه لما صرح بأنه لم يأت في مذهبه بجديد، وإنما أقر أنقى وأطهر ما كان في العقيدة القديمة، فقد خشي الباحثون المحدثون أن يكون قد ألغى من هذه الكتب كل ما ليس نقياً في نظره، وهذه خسارة علمية كبرى، لأن العالم يهمه أن يجد الآثار التاريخية بقضها وقضيضها، ليستطيع أن يستخلص منها الحقائق في حياد تام. وفوق ذلك فإن تلاميذ (كونفيشيوس) قد شرحوا هذه النصوص وعلقوا عليها، وربما يكونون قد حذفوا منها أو أضافوا إليها.

يوجد بين هذه الكتب الخمسة ثلاثة جديرة بالعناية، وهي: (شو - كينج)، و (شي - كينج) و (إي - كينج)؛ فأما (إي كينج) فهو أهم هذه الكتب من حيث تصوير الناحية العقلية للأمة، وقد حوى كثيراً من التطورات الفكرية المختلفة وهو لهذا يدعى: (كتاب التغير)

<<  <  ج:
ص:  >  >>