النظرة، من وصف الأطلال التي مر عليها، ومراتع الوحوش التي أبرد فيها. وآفاق البادية المجلوة التي كانت من أمتع المناظر ساعة الأصيل!
وقد أفاض في حياة الأفراد والجماعات التي تعيش في ذلك العالم المجهول وأخصهم (بني مرة) و (المناصير) فعرض لحياتهم البسيطة الساذجة، ومراعيهم المتجهمة المتناثرة في عرض الصحراء، وكيف أنهم يعتمدون في قوتهم على لحوم الغزلان والوعول والأرانب التي تكثر في تلك البراري. .
وفي هذا الكتاب يكشف لنا المؤلف عن ناحية سياسية مجهولة بين حضرموت ونجد؛ فمن المجزوم به أن القبائل الحضرمية المتاخمة لحواشي الربع الخالي من الصعب عليها الاتصال والأمتيار من بلاد نجد، لوجود هذه الفلاة الفاصلة، ولكن المؤلف يميط اللثام، ويرفع الظن، ويعلمنا أن صلات القبائل الحضرمية في الشمال وأخصها الصّيْعر والعوامر والمناهيل متينة بالبلاد النجدية، ولابن السعود سلطة نوعية على هذه القبائل، فقد روي المؤلف في ص١٠٣ حادثة (سيف ابن طناف) شيخ مشايخ المناهيل في (حضرموت) وكيف فاض إلى نجد من أقصى حدود حضرموت ومعه هجين من الأصائل ليقدمه لأبن حلوي حاكم الحسا السابق دليلاً على الولاء والخضوع!
ومن عجيب ما حدثنا به المؤلف في ص١١٦ أنه بينما كان يجوس خلال بعض الغياض يطارد الجعلان لاحظ سائلاً قرمزي اللون يسيل على لحاء إحدى الشجيرات؛ فتبينه فوجده مادة صمغية تشبه تلك المادة التي أنزلها الله في البرية على بني إسرائيل ليقتاتوا بها عند رحيلهم من مصر وهي (المن) الواردة في القرآن الكريم في قوله تعالى (وأنزلنا عليهم المن والسلوى). وقد ذهب العالم الإسرائيلي الدكتور يهودا إلى أن هذه اللفظة مصرية قديمة بمعنى (لا نعرف) وذلك أنه لما خفي أمرها على بني إسرائيل، ولم يدركوا حقيقتها وكنهها كسوها هذا اللفظ الذي معناه في المصرية ما تقدم. ويزيد هذا العالم أن هذه اللفظة لا تزال شائعة الاستعمال في اللسان العبري الدارج: فهل لأستاذنا الدكتور ولفنسون أن يتكرم بإماطة اللثام عن أصل هذه الكلمة ومصدر اشتقاقها، وشجرة المن وما ورد عنها في الآثار اليهودية؟
ويمضي المستر فلبي ويصف لنا الشيء الكثير من القصور المتهدمة، والآثار التي تشير