فالأزهر - في نظر علماء الشعوب والاجتماع - لاشك أنه المدرسة الوطنية التي تربط الأمة بماضيها - وإن كان ينقصها ربط الحاضر بالماضي، وتلقن جيل اليوم ما كان لخلفه من دين ولغة وعادات خلقية وقومية، وهو لهذا كان ولم يزل مكان الخطر على الاستعمار الغربي وعلى سياسته في حكم الشعوب الإسلامية كما يراه الأوربيون أنفسهم الذين تخصصوا في السياسة وفي فلسفتها. ففي المجلة العلمية السياسية الألمانية لمخرجها الأستاذ الفيلسوف السياسي الأستاذ بجامعة بحث جدير بالاعتبار عرض كاتبه لبيان صلة الإسلام ومقدار علاقة الأزهر على الخصوص بالحركات الوطنية في الشرق تحت عنوان (الإسلام والفاشستية) فكاتب هذا البحث يرجع الحركة الوطنية الحالية ضد السيادة الفرنسية في تونس ومراكش والجزائر إلى الأفراد الذين غلبت عليهم الدراسة الوطنية - الإسلامية - وعلى الأخص إلى أولئك الذين تلقوا علومهم في الأزهر بالقاهرة. فالأزهر في رأي هذا الكاتب وفي رأي كثير من أمثاله منبع الخطر على السيادة الأجنبية في الشرق كله.
وفوق ما للأزهر من هذه الصبغة الوطنية فهو مدرسة الشعب والسواد المنتج من الأمة. ولسبب ما، إما لأسلوبه في التعليم (وعدم تمشيه في وقت من الأوقات على نظم التربية الحديثة)، أو لشعبيته، أو لسبب آخر غير هذا وذاك، وآلت الطبقة المثرية من الأمة من أرباب المناصب الكبرى في الحكومة وجهها نحو مدارس الإرساليات الأجنبية، وقصدت الطبقة المتوسطة إلى النوع المزيج وهو النوع الحكومي، وقنع الأزهر بالشعب وبأبنائه، طوعاً أو كرهاً، واضطر لهذا أن يكون بعيداً عن أفق سياسة الدولة، لأن سيادة الروح (الأرستقراطية) وجدت في ظل الحكم التركي ثم في حكم الاحتلال كل أنواع التأييد. فأسلوب التعليم في هذه المدرسة بعيد في ذاته عن التهيئة إلى موجة التقليد الطافحة اليوم في مصر والتي تنذر بالخطر، لأنه هو نفسه ضد التقليد والعقبة في طريقه، وكذا رجالها ليسوا ممن يتبعون سياسة التقليد لأنهم أبعدوا عن السياسة العامة للدولة واكتفوا بالتحدث إلى الشعب عن الحياة الآخرة والسبل الموصلة إلى السعادة فيها، وإن فرطوا بهذا الاكتفاء في حق أنفسهم كأبناء الشعب وفي حق دينهم لإظهاره بالمظهر الروحي فحسب، ثم أخيراً في حق وطنهم لإقصاء أنفسهم وهم أكثرية عن سياسة توجيه الأمور في الدولة أو لرضاهم بهذا الإقصاء.