غير فرنسا المستعمرة. وبالرغم من ظهور الخطأ وعكسية النتيجة لا يدير المقلد وجهه نحو أمته ويدرس حالتها النفسية والاجتماعية، ثم يقتبس ما تدعو إليه هذه الدراسة، لأنه لم يألف الأمة ولم يتعرفها منذ طفولته.
ومن تثقف بالثقافة الإنكليزية عشق تقاليد الأمة الإنكليزية وأعجب على الأخص بالبرلمان الإنكليزي وبعراقة الدستور الإنكليزي ونظام الأحزاب الإنكليزية وبتمتع الأقلية بحرية المعارضة، فيهوى وفقاً لميله تقليد إنكلترا في مظاهرها الدستورية ونظامها البرلماني؛ ولكنه يخطئ أيضاً في تقليده، لأن الشعب المصري ذو صفات نفسية تغاير تمام التغيير صفات الشعب الإنكليزي؛ له طريق آخر في التفكير وأسلوب آخر في المعاملة؛ هو شعب ناشئ لم تتركز طبائعه بعد، ولم يروض على عادات خلقية تتناسب وفطرته، فإذا نوقش في خطأ تقليده أصر عليه وسرد تأييداً لإصراره أقوال الساسة الإنكليز والعرف الدستوري في البرلمان الإنكليزي. وأولى به أن ينظر إلى الواقع وفي أي شعب هو يعيش. أولى به أن يتعلم خواص الشعوب بدل أن يحلق في خيال نظري (قانوني) لا طائل تحته. ولكن ميله الثقافي هو الذي حدد له نهاية الطريق وأملى عليه برنامج السير.
ومن تثقف بالثقافة السويسرية يستهويه نظام التعليم ونظام الأسرة فيحاول تقليد الشعب السويسري، أو بعبارة أخرى يضطر أن يسير في طريق ميوله الثقافية، والتعليمية - وليس إلا طريق التقليد طبعاً - ثم لا يلبث أن يرى نتيجة تقليده بين يديه خاسرة، لأن المصري في طبعه وفي ميوله الغريزية غير السويسري الذي هو نفسه يغاير نفسه - وبناء على هذا يتغير نظام تعليمه - في منطقة أخرى من مناطق الاتحاد السويسري. والأسرة المصرية التي حددت عاداتها طريق سلوكها في الحياة وعين دينها ولغتها طريق تفكيرها وفهمها لما يحيط بها، غير الأسرة السويسرية التي تتطلب أيضاً بحكم الوراثة وبحكم العادات وطبيعة البلاد أسلوباً في التعليم خاصاً بها.
وهكذا دواليك نجد العمل الجدي لهذه الفئة تقليداً سلبياً قلما يتحول إلى محاكاة إيجابية، إلى (التمصير) الذي هو عملية نفسية يقوم بها الفرد كالأمة، عملية تتطلب أولاً أن تنشأ الأفراد تنشئة وطنية ثم تزود بثقافة أخرى أجنبية. وإذن يكون عمل الفرد كعمل الأمة مصبوغاً بصبغة وطنية وفي الوقت نفسه مسايراً لخطى الأمم الراقية. فالأمة اليابانية مثلاً تقلد