الحضارة الغربية ولكنه تقليد إيجابي، لأنها تنظر إليها ثم تحاكيها لا في صورتها الأولى ولكن في صورة يابانية شرقية بعد ما تكون قد مزجت بينها وبين حضارتها الموروثة ووفقت بينهما. وهو لهذا تقليد فيما ينفع، وتقليد لا يمس بالخطر العوامل الأولى المكونة لحضارة الأمة، كأمة مستقلة.
فجهل الوطن وما فيه والنزوع إلى التلون بلون غربي - كما هي النتيجة الحتمية لأسلوب هذه المدرسة - من الأسباب القوية لهذا التقليد السلبي؛ ثم اختلاف النزعة نحو هذا التلون، تبعاً لاختلاف نوع الثقافة، من أكبر العوامل في كثرة التغيير والتعديل اليوم في سياسة الأمة التشريعية والتعليمية.
وربما تكون تبعة المدرسة الثالثة، وهي مدارس وزارة المعارف، في هذا التقليد أقل من المدرسة السابقة، ومع ذلك فعليها تبعة كبيرة أيضاً، لأنها لم ترسم لها خطة تعليمية وطنية، أو أرغمت، فطاوعت، على السير وراء سياسة استعمارية، سياسة أوربية أجنبية. فالاتجاه الذي توحي به وتخلقه في تلامذتها لا يخلو من مبالغة في عظمة الغرب واحترام المدنية الغربية، كأبلغ شيء وصل إليه العقل الإنساني - ولكن لا لخدمة الإنسانية ولكن لسيادة القوى - وذلك يقوي غريزة التقليد في الطفل ويدفعها إلى ناحية معينة قلما تحيد عنها أو تتصرف في تقليدها؛ ثم في الوقت نفسه لا يخلو ذلك الاتجاه من النظر إلى الشرق كوطن والى تقاليده ودينه ولغته كمقومات لثقافته من إلقاء نظرة بسيطة عليها قلما يصحبها احترام أو يتبعها تقديس مما يدعو إلى الارتباط بها والحنين إليها.
وهكذا يسير الشعب إلى غير وطنه ويقاد في غير طريقه الطبيعي ويدفع به في كفاح لم يتهيأ ولن يتهيأ له، وهو كفاح ضد الطبيعة ومقتضياتها؛ وهيهات أن يفوز إن لم تهلكه الحرب هلاكاً بطيئاً، وذلك شر أنواع الهلاك وآلمه.
فمبدأ التقليد ليس معيباً إذا كان إيجابياً، لأنه إلى جانب الفكرة الخالقة والعقل المستقل في الإنشاء من عوامل تقدم الأمة، فما كان لأمة أن تستقل في نهضتها العقلية بنفسها ولكن يجب عليها أن تكيفها بشخصيتها وطابعها. وهذا التكييف نفسه مدين إلى حد كبير بالاعتماد على ثقافة الأمة الموروثة أو هو نفسه المحافظة على تلك الثقافة والاعتزاز بها.
واليوم آن للأزهر أن يعمل على تأدية رسالته، من ربط حاضر الأمة بماضيها، في ثبات