عاصمة كبرى لاول مرة في حياته، فقلت في نفسي إنني أخشى أن أنا بعدت عن موضعي ألا أستطيع العودة إليه فليست هذه المدينة القاهرة التي ولدت فيها وعشت فيها طوال السنين، بل لقد غيرها مر الدهر أي تغيير حتى صارت غير ملائمة لحواسي وأعصابي، وعولت على أن أعود إلى الآلة التي حملتني إلى ذلك العصر المجهول فأحرك عجلتها وأعود من حيث أتيت. بينا أنا أفكر في عصر غير ناظر إلى ما حولي إذا أسرع إلى شاب فاختطفني اختطافاً ودفعني إلى جانب. وما هي إلا ثانية بعد ذلك حتى رأيت طائراً من تلك الطيور الآدمية قد نزل في الموضع الذي كنت واقفاً فيه ولو لم يدفعني ذلك الشاب لكان الطائر قد هوى على وحطم رأسي. فلما أفقت من ذعري خاطبني الشاب بلهجةاللوم قائلاً:((أما ترى علامة انفتاح الطريق امامك؟)) فنظرت إلى حيث أشار بيده فوجدت إشارة حمراء وسهما مشيراً إلى أعلى فعلمت إن ذلك المكان موضع لرسو من أراد النزول من الطائرين إلى الأرض وان الناس قد اعتادوا إطاعة تلك الإشارات الحمراء وتحاشي تلك المواضيع. فاعتذرت إلى الشاب وشكرته ثم دنوت منه فسألته قائلاً:(أرجو أن تدلني على مكان محطة المترو هنا. فنظر إلى الشاب وتبسم ضاحكاً ثم قال: (لقد عرفت منذ رايتك انك لست من أهل القاهرة) فغضبت لهذا لاني لا اعتز بشيء اعتزازي باني من أبناء القاهرة الصميمين، وقلت له:(إنني منهم ومنزلي في مصر الجديدة في شارع. . .) وما كدت اكمل هذا القول حتى ضحك وقال (مصر الجديدة! حقاً إنك رجل لطيف. تعال معي إلى هذا المجلس فإنني متعب وقد سرتني دعابتك. فمن أي الأرياف جئت؟). قال هذا وسار بي نحو مقعد عام على جانب الحديقة التي في وسط الطريق. وقد أعجبني من الشاب شهامته وخفة روحة فكظمت غضبي من إصراره على إنني ريفي، وذهبت معه وأنا مسرورة لأنني ووجدت رجلاً من أهل العصر الذي دخلت فيه أكلمه واعرف منه أسرار حياة الناس في أيامه. فلما استقر بنا الجلوس قال
باسماً:(إنت إذن من مصر الجديدة؟) فقلت له متحدياً: (نعم! أنا من هناك). قال:(انيس سمعت بهذا الاسم في التاريخ في أثناء دراستي في الجامعة، ولكن مصر الجديدة اليوم اسمها حي الشركة القديمة.) فقلت - (حي الشركة القديمة؟ ولكن ما معنى هذا؟) فقال إنني كنت ادرس التاريخ الاقتصادي في جامعة حوش عيسى وهناك. . . . . .). فلم أتمالك