للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بالديمقراطية فيه أكبر من إيمان صاحب المدينة الفاضلة وصاحب السياسة المدنية، لأن الحاكم الفيلسوف لا يعدل بالحرية الفردية نعمة من نعم الأرض ولا نعم السماء؛ وينعى على كارل ماركس كما ينعى على موسوليني أنهما يطويان الفرد في الحكومة، ويضحيان بالواحد على مذبح الجملة؛ ويسأله لدفج أيهما أحق لديه بالتقديم والإيثار: السلطان أو الحرية، وإرادة الحكومة أو إرادة الأفراد؟ فيقول: (ليس في وسعي أن أعتقد أن ضمير الفرد مطوي في ضمير اجتماعي واحد. إذ ليس في الدنيا من شيء محقق غير الضمائر الفردية. وليس أمام السياسة إلا أفراد اجتمعوا على هذا النحو ليتألف منهم مجتمع واحد يكون على ضروب شتى ومنها الفاشية. أما أنا - وأنا من الفرديين - فليس يسعني أن أسيغ فكرة الإدماج أو إلغاء الأفراد، وأن تكون الحكومة أو الأمة أو الشعب ممثلة في شخص واحد. ولا أنسى أن هنالك علماء اجتماعيين ودعاة سياسيين يقبلون ما يسمونه ضمير المجتمع وينكرون ضمائر الأفراد متفرقين، ولكنها فكرة لا يقرها العلم، ومصدرها النزعة الأرستقراطية في السياسة. . .)

ووددت لو أن (مازاريك) حين مات كنت محتفظا له بتلك الصورة التي تناسقت وتلاحقت من جهاد الشباب ومن ثورته في الكهولة، ومن بحوثه ومصنفاته، ومن رسالة الديمقراطية التي قام بها على سرير الدولة كما قام بها من قبل على منصة التعليم وعلى منبر الدعاية

ولكن الفيلسوف الذي يستبقي في الحكم صورة أفلاطون أو صورة (السياسة الغدرية) إن هو إلا أسطورة من أساطير الخيال، نتوهمها بالنظر ونترسمها بالأمل، ولا نلمحها بعين الواقع ولو أغضينا عن كثير

قبل أن يقضي الموت قضاءه في الحاكم الحكيم بأشهر معدودات وقع لي كتاب عن أوربا الوسطى للكاتب الإنجليزي هنري بوتسي أسماه (اليد السوداء على أوربا) أحصى فيه مظالم الشعوب الصغيرة التي ضمتها معاهدة فرساي إلى حكومات لا تحبهم ولا يحبونها، ومنها شعب السلواق المضمومين إلى حكومة (مازاريك) رسول الديمقراطية ونصير كل شعب مظلوم أيام كان الظلم نازلا بتلك الشعوب من آل هابسبرج!

وكان مازاريك قد عاقد وكلاء السلواق المقيمين بالولايات المتحدة في السادس والعشرين من شهر مايو سنة ١٩١٥ أن تكون حكومتهم مستقلة في داخل الدولة على مثال الولايات

<<  <  ج:
ص:  >  >>