وهكذا كانت أحاديث الحبيبين المعذبين كلما جنهما الليل، وضمها غاشي الظلام؛ أحاديث كأوشية الروض، وأفواف الزهر ونجوى البلابل، ممزوجة بعبرة أو عبرتين يريقانهما على جفاء الأهل، ولدد الطباع، وقسوة الأيام
ولم يحتملا هذه الحال طويلاً، فلقد شفهما الهوى، وأنحلتهما الصبابة، وفعل الحب في قلبيهما الضعيفين أفاعيله. ففي ليلة سافرة البدر، ساجية النسيم، صمتت فيها الطبيعة، وتكلم القمر، دار بين العاشقين الحديث الأتي:
- تسبيه؟!
- بيرام!
- أوشك القمر أن يكون بدراً يا حبيبتي!
- إنه جميل الليلة، وحبذا لو ظل جميلاً الليالي المقبلة. . .
- إن القمر جميل دائماً. . . أليس هو ابتسامة هذه الدنيا في ليالي العاشقين؟
- لكنه صامت أبداً. . . إنه أبكم لا يعي!
- سو. . . لا تقولي ذلك يا تسبيه. . . قد تسمعك ديانا فتغضب!
- هل يتكلم؟ هل يفهم؟
- أما أنه يتكلم فحق. . . لكنه لا يتكلم بلسان كلساننا. . .
- أنه يتكلم بلسان من فضة يا تسبيه، لسان له رنين حلو في أعماق الروح. . . ثم هو يفهم آلام المحبين لأنها تصعد إليه مع آهاتهم. . .
- خيال شاعر وفلسفته!
- بل هو الحق يا حبيبتي! لقد كان يكلمني وكنت أكلمه. وكان يفهمني وكنت أفهمه، كان يكلمني بآراده وأضوائه، وهي لسان صامت ولكنه بليغ لسن، وكنت أكلمه بوجداني مرة، وموسيقاي أخرى، فكان يضحك في الأولى، ويرقص في الثانية. . . تسبيه!
- ماذا يا بيرام؟
- أتمنى لو غمرتنا أشعة القمر غداً، في هذا السهل المنبسط