للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

طابقه، فجلست الجماعة عنده يهنئونه بالعيد ويتعرفون خبره، وهو يوقد السعف تحت الطابق، فزاد في الوقود فدخّنهم، فنهضت الجماعة عند تزايد الدخان؛ فقال نصر ابن احمد لأبي الحسين بن لنكك: متى أراك يا أبا الحسين؟ فقال له أبو الحسين: إذا اتسخت ثيابي؛ وكانت ثيابه يومئذ جُدَداً على أنقى ما يكون من البياض للتجمل بها في العيد؛ فمشينا في سكة بني سمرة حتى انتهينا إلى دار أبي أحمد بن المثنى، فجلس أبو الحسين ابن لنكك وقال: يا أصحابنا، إن نصراً لا يخلي هذا المجلس الذي مضى لنا معه من شيء يقوله فيه، ونحب أن نبدأه قبل أن يبدأنا واستدعى دواة وكتب:

لنصر في فؤادي فرط حب ... أنيف به على كل الصحاب

أتيناه فبخرنا بخوراً ... من السعف المدخن للثياب

فقمت مبادراً وظننت نصراً ... أراد بذاك طردي أو ذهابي

فقال: متى أراك أبا حسين ... فقلت له: إذا اتسخت ثيابي

وأنفذ الأبيات إلى نصر فأملى جوابها فقرأناه فإذا هو قد أجاب:

منحت أبا الحسين صميم ودي ... فداعبني بألفاظ عذاب

أتى وثيابه كقتير شيبٍ ... فعدن له كريعان الشباب

ظننتُ جلوسه عندي لعرس ... فجئت له بتمسيك الثياب

فقلت متى أراك أبا حسين ... فجاوبني: إذا اتسخت ثيابي

فإن كان التقزز فيه خير ... فَلِمْ يكنى الوصي أبا تراب

وحكى الخالديّان الشهيران في كتاب الهدايا والتحف أن الخبزأرزي بن نصر بن احمد هذا أهدى إلى ابن يزداد والي البصرة فصاً وكتب معه:

أهديتُ ما لو أن أضعافه ... مطرح عندك ما بانا

كمثل بلقيس التي لم يبن ... إهداؤها عند سليمانا

هذا امتحان إن ترضهُ ... بإن لنا أنك ترضانا

قال ابن خلكان (وأخبار نصر ونوادره كثيرة وتوفي في سنة سبع عشرة وثلاثمائة. وتاريخ وفاته فيه نظر، لأنه ذكر في تاريخه أن احمد بن منصور النوشري المذكور سمع منه سنة خمس وعشرين وثلاثمائة) قال الخطيب: (روى عنه مقطعات من شعره المعافى بن زكريا

<<  <  ج:
ص:  >  >>