للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(هان - كو) حيث اعتزل الناس جميعاً وظل فيه عاكفاً على تأملاته الفلسفية أميناً لمبادئه الأخلاقية. وفي أثناء هذه العزلة جاءه (بين - سي) وهو أحد اخصاء تلاميذه الأوفياء وألح عليه قائلا: (من حيث إنك أردت أن تدفن نفسك في هذه العزلة الموحشة، فأنا أتوسل إليك أن تؤلف كتاباً لتؤدبني به) فلم يسع هذا الحكيم بازاء ذلك الرجاء الجار الملح إلا أن يجيب تلميذه إلى سؤله، فألف كتاب (تاو - تي - كينج) وعلى اثر فراغه من كتابته غادر ذلك الوادي الذي عرفه الناس فيه وانسحب إلى حيث لم يره بعد ذلك أحد

وقد حدثنا (سي - ما - تسيان) أيضاً أنه أعقب بعده ابناً يسمى (تسونج) صار بعد أبيه من عظماء الدولة؛ وكان قائداً كبيراً من قواد جيوشها، وأن مشاهير رجال المملكة الذين لعبوا أهم الأدوار السياسية والاجتماعية فيها كانوا من ذريته

أما الأساطير الشعبية فقد أحاطت هذا الحكيم بغابة كثيفة من الروايات والحوادث التي ثبتت الاستحالة الزمنية في بعضها، وتحقق الاستبعاد في بعضها الأخر، كما أنه قد غلبت الحقيقة على البعض الثالث. فمن هذه الأساطير ما يحدثنا عن تلك المقابلة الهامة التي حدثت في سنة ٥٢٥ قبل المسيح بين (لاهو - تسيه) و (كونفيشيوس) وما دار فيها من محاورات بين الحكيم والشيخ الهادئ الواثق مما يقول، وبين العبقري الشاب المتحمس المفعم بالآمال العذبة في المستقبل المنير

تحدثنا هذه الأسطورة أن الشيخ أعلن في حديثه أن إصلاح الحياة الاجتماعية بوساطة النشاط العملي مستحيل، وأنه لا يتيسر إلا بوساطة التنسك والزهادة والاعتزال، وانه لم يقل بهذا الرأي إلا بعد تجارب طويلة استغرقت سبعين سنة، وأن (كونفيشيوس) حينما سمع من الحكيم الشيخ هذا الرأي، لم يتردد في الحكم عليه بأنه خاطئ باطل، وبأن نتيجته هي الخمول واليأس؛ ثم سأله قائلاً: (إذا كان واجب كل فرد من أفراد الدولة أن ينسحب في كهف من الكهوف، فمن ذا الذي يعمر المدن، ويفلح الأرض وينشئ الصناعات، ويديم النوع البشري على سطح الأرض؟ وإذا كان هذا الاعتزال من واجب الحكماء فحسب، فمن ذا الذي سيربي الإنسان ويؤدبه ويصون الفضيلة والأخلاق؟)

وتحدثنا هذه الأسطورة أيضاً أن المقابلة بين هذين الحكيمين كانت من أجل هذا الخلاف فاترة، وان سوء التفاهم قد ساد بينهما على اثر هذه المحاورة. ويعلق أحد (المستصينيين)

<<  <  ج:
ص:  >  >>