ازدهر نظام الفروسة واستكمل نموه منذ الغزوات الصليبية الأولى في القرن الحادي عشر للميلاد، وما فتئ ينمو حتى أوائل القرن السادس عشر. فكان المعهد التربوي الوحيد خلال تلك القرون للعائلات النبيلة والمالكة، حتى جاء عصر العالية، فحلت هذه محل الفروسة وغيرها من المعاهد والطرائق التي سبق الإيماء إليها
مبادئها وصفاتها
لعهد ليس بالبعيد كانت هناك مبادئ وصفات تؤهل الفرد لاكتساب لقب (جنتلمان) تلك التي إذا ما حازها عُدَّ فارساً. من هذه المبادئ والسجايا الشجاعة والأنفة واحترام النفس والانتصاف للشرف واللطف والرقة في المعاملة ونكران الذات وطلب الشهرة عن طريق الحرب، وغير هذه من الصفات الخشنة كالشراسة والقسوة والغضب إلى حد الجنون، والتبهرج والإسراف والرغبة في الحياة العسكرية العنيفة الجافة، والإيمان القويم بالله. وكما إن للرهبنة فضلاً على الناحية الدينية من علمي التربية والأخلاق، فللفروسة فضل على الناحية اللادينية منها، إذ رفعت من شان فكرة لدى قوم غلاظ الطباع، وذلك بأن فرضت عليهم شروطاً وقواعد لابد لهم من مراعاتها مدة انضوائهم تحت لواء الفروسة. ولو أنعمنا النظر قليلاً في هذه الفكرة لألفينا انه حينما وجدت الطاعة والخدمة، وجد معها الاستعباد والقسوة. فإذا كان تشجيع الطاعة والخدمة من حسنات الفروسة، فتعزيز الاستعباد والإذلال هو من سيئاتها
ولم تكن الفروسة في الواقع إلا خادمة للرسالة النصرانية، فقد ولدت في معهد الكنيسة، ثم نشأت وانتشرت تبشر بمبادئها، وتنشر النصرانية بين برابرة الجرمان. وحينما تحولت الكنيسة إلى السلطة الزمنية تستنجدها وتستفزعها لمهاجمة المسلمين في عقر دارهم، كانت الفروسة أول من لبى نداءها. وقد كان لاتصال الفروسة بالكنيسة اثر ملموس في خلق الفارس، فكان لابد له، إذا نشد الكمال، من أن يتوخى مبدأ الاعتدال في حياته وأن يستسلم لأسياده وينقاد إليهم انقياد الأعمى، ويتضع لمن هم دونه رتبة، ويشفق على الضعفاء والفقراء ويحسن إليهم، وأخيراً أن يجل الجنس اللطيف كل الإجلال
ويجازي من نكث هذه الشروط بأن يطلب للبراز مع غيره مبارزة قد تؤول إلى هلاكه. بذا وبغيره من الوسائل السلبية والإيجابية، وبالمزاولة الطويلة ثبت نظام الفروسة ورسخت