أي إلى الكنيسة ضد العلماء يصح أن تكون دليلاً على أن السلام الذي كان يعترف به كمبدأ خلقي كان يقصد به عدم إثارة أي نزاع ضد الطائفة الحاكمة وهي الطائفة المنتخبة من الله والموكلة بأمره في الخلق.
وهكذا اليوم مثلاً دعوة السلام التي تقرر كمبدأ سياسي دولي والتي تذيعها جمعية عصبة الأمم في كل يوم وكل مناسبة ليست إلا أمراً نظرياً يقصد منه ترك القوي يتمتع بسيادته على الأمم الضعيفة في أكبر قسط من الراحة وهناءة البال دون أن تزعجه مطالبها القومية ورغبتها في الاستقلال بالسيادة.
والعصر الحاضر يتمتع بطابع مخصوص تنم عنه جملة ظواهر تكاد تكون على الضد من الظواهر السابقة.
فالديمقراطية، أي كون الشعب هو الذي يباشر حكم نفسه بالأسلوب الذي يختاره: بالأسلوب البرلماني أو الشيوعي أو الفاشي تكون جزءاً كبيراً من هذا الطابع.
كذلك سياسة الواقع ? ومراعاة المصالح القومية ظاهرة أخرى لهذا العصر. وقد تكون هي وحدها محور المشاكل الدولية اليوم، والسبب الرئيسي في شل عصبة الأمم وإظهارها بالمظهر الخيالي الذي يتضاءل أمام الحقيقة، فضلا عن أنها منذ خلقت لم تكن إلا حلماً لذيذاً للأمم الضعيفة، وستاراً ولكنه شفاف، يكشف دائماً عن مقاصد القوى وسياسته ذات الوجهين.
ولعل من سياسة الواقع واتباعها رفض نظرية التعليم الدولي وبناءه على الأسس القومية وتوجيه نحو الصالح الوطني، واستبدال الغرض (الوطني) بالآخر الإنساني. وهذه ظاهرة أخرى توضح طابع هذا العصر.
أما قاعدته الخلقية فهي تحقيق مبدأ تنازع البقاء والاعتراف بأن الصالح للحياة هو القوي والأصلح المنتج. ولعل الإيمان بهذه القضية الخلقية نتيجة للشعور الوطني الذي ساد الأمم والدويلات، وتمكن من نفوس الجماعات البشرية المختلفة في الجنس والعادات اللغة. فإحساس كل أمة بوجوب استقلالها وخضوعها لسيادتها الذاتية فحسب أذكى قوة النضال فيها وحفظها من التوزع داخل الأمة في مكافحة الأحزاب السياسية الوطنية بعضها بعضاً ثم صوبها نحو الخارج: أي أن كل أمة وجهت قوة الكفاح نحو الأمم الأخرى دفعاً لما عساه