الحياة وباشتراكه في معنى الإنسانية وبمركزه في الإنتاج الاقتصادي لمصر فاستعمل معه أسلوب اللين في تحصيل الضرائب التي يدفعها للموظف الحاكم وفي الواقع لخادمه الذي يجب أن يكون تحت تصرفه ولمصلحته في كل لحظة وبكل عناية؟
ما ذنبه إذا كانت الجبهة العليا الحاكمة تجري في تنفيذها للمشروعات على أسلوب بيروقراطي وتتمسك (بنص) قانوني كم ذهبت مصالح حيوية ضحية له. وكم دام إنجاز بعض المشروعات الهامة سنوات طويلة وقد كان لا يستغرق أكثر من أشهر معدودة لو فهمت الروح القانونية. أليست فكرة معاقبة رجال الإصلاح على هذا النحو هي فكرة الكنيسة في القرون الوسطى ضد من كان يريد أن يحكم عقله مرة ما في فهم النصوص القانونية؟
هل يفهم الإنسان شيئاً آخر سوى تحكم النص القانوني وحده إذا عرف أن أحد الكنستبلات المالطيين في بوليس الإسكندرية أعيد للخدمة ثانية بعد عزله وفقاً لنص المعاهدة، لأنه تجنس بالجنسية المصرية؟ إنني أعرف رجلين من الأرمن هنا في هامبورج تجنسا بالجنسية المصرية. أنا لم أدهش من شعور أحدهما يوم قابلني في سنة ١٩٣٥ في وقت اشتدت فيه حركة الطلبة بالقاهرة للحصول على غرض شريف: للحصول على دستور سنة ١٩٢٣. إنه لم يستح أن يجرح عاطفتي الوطنية إذ يفاجئني بقوله: ماذا يقصد هؤلاء الطلاب أولاد العرب من حركتهم هذه؟ ألا يستحون من مطالبة بريطانيا بالتخلي عن حكم مصر؟ ألم يفهموا للآن أنها تمدنهم وتحد من همجيتهم؟ لم أدهش حقاً لهذا لأني أعلم أن تجنسه بالجنسية المصرية لا يمكن أن يكيف شعوره بكيفية مصرية مهما حاول ذلك، كما لم أدهش منه يوم قابلني هو بعينه في شهر يونيه الماضي وجعل يردد لي حبه وتعلقه بمصر وفخره أنه يحمل على صدره العلم المصري، لأني أعلم أيضاً أنه يستتر وراء هذا العلم من مطاردة بعض أفراد النازي هنا له، لأن سحنته يهودية ولأنه هو وأخاه من التجار الأجانب الذين هم تحت مراقبة البوليس لسوء سمعتهم الأخلاقية واتباع حيل اليهود الدنيئة في كسب الربح.
ولو سوغ التجنس بالجنسية المصرية لهذا المالطي حقوقاً أخرى سياسية لما كان ينبغي أن يجيز له مباشرة عمل متصل بنظام الأمة الداخلي، ولكنه (النص) القانوني الذي لا يفرق