بين مصري ومتمصر له من الطبائع النفسية وطرق التفكير ما يبعده أشد البعد عن طبيعة المصري أو العربي المتمصر مثلا؛ والسلوك العملي للإنسان خاضع لطبائعه النفسية ونوع تفكيره
وغير هذا من الحوادث كثير. فإذا ذهب من يريد الإسلام عن اقتناع لا عن محاولة وإكراه إلى قنصلية مصرية في الخارج ليسجل إسلامه فيها كهيئة رسمية تمثل أمة إسلامية تحتل المكان الأول بين أمم العالم الإسلامي لم يصل إلى غايته، لأن نص القانون المصري يحرم ذلك تجنباً لإشكال دولي بينما يبيح أعمال التبشير الإكراهية في مصر المسلمة التي يقول عنها الأستاذ المراغي إنها سرقة أرواح واغتصاب نفوس عملاً بحرية الأديان. ولكنه النص القانوني.
بجانب هذه الظاهرة: ظاهرة التمسك بالنص القانوني التي هي إحدى ظواهر عصر القرون الوسطى، نجد ظاهرة أخرى من ظواهر العصر الحاضر وهي الظاهرة البرلمانية التي لا تبيح استبداد الفرد أو الطائفة الأرستقراطية بالحكم. ولكن بالرغم من وجود هذا النظام الشكلي فإن أهم مكونات طابع العصر الحاضر لا يجدها الباحث إذا فتش عنها في مصر الحديثة.
فالسياسة العملية السائدة اليوم في مصر ليست سياسة الواقع ومراعاة الصالح الوطني؛ وغاية التعليم ليست قومية وطنية بل دولية بكل معانيها، إذ أعز أماني مصر الحديثة خدمة (الإنسانية) والعمل على تلاشي الفوارق الطبيعية قبل تكوين أمة مصرية يشعر كل فرد من أفرادها بأن عليه واجباً نحو نفسه ونحو وطنه. كما أن النظرة الخلقية التي تلقى استحساناً عند الطبقة الحاكمة والتي تشبعت بها نفوسهم هي تأييد السلام العالمي الموهوم، والعمل لقضية السلام، والافتخار بالاشتراك في جمعية المحافظة على السلام الدولية التي قضى عليها بالموت منذ خلقت.
فأنا لا أدري إذا كانت مصر تعيش في القرون الوسطى لهذا المظهر السائد اليوم: مظهر التمسك بالنصوص القانونية ولو كان فيه التضحية بالمصالح الحيوية وعدم تحقيق معنى العدالة. ولكن المظهر البرلماني يحول دون الحكم بذلك، لأن مظهر السلطة في ذلك الوقت كان استبدادياً قاصراً على الطبقة المختارة من الله