أما سؤال الكاتب:(هل بلغ أحداً أن أديباً نظر في معادلة جبرية، أو قانون من قوانين الفيزياء، أو أحس الحاجة إلى النظر فيها؟) فانه غريب حقاً. وما كنت أنتظره مطلقاً من الأستاذ الطنطاوي. . . فهل بلغك يا أخي أن بول فاليري، أمير شعراء فرنسا، كان عالماً رياضياً قبل أن يكون شاعراً، وأن جوتيه، أعظم شعراء الدنيا بعد شكسبير، كان عالماً بيولوجياً قبل أن يكون شاعراً، وأن هـ. جـ. ولز، عميد أدباء الإنجليز، كان أستاذاً في الجيلوجيا، وأن أشتغاله بهذا العلم لا يزال إلى اليوم يطبع أدبه وتكهناته وتنبؤاته؟؟ ماذا تريد بعد هؤلاء الجبابرة من أمثلة؟؟
الأدب لا يستطيع بحال من الأحوال أن يستقل عن العلم، والقول باستقلاله خطأ شائع يجب تصحيحه. . .
يقول الشاعر العظيم وردزورث:(إن الأشياء التي يستطيع الشاعر أن يستمد منها ويستوحيها موجودة في كل مكان) وإن (عيني الإنسان وسائر حواسه وإن كانت لا ريب خير مرشد له وهاد، فإنه يسير في كل طريق ويتبع كل جو يستفز مشاعره ويستثير أخيلته، ويستطيع أن يحرك فيه أجنحته)
ويقول وليم هنري هدسن المحاضر السابق بجامعة لندن: (نستطيع أن نقول إن الشاعر العظيم حقاً هو مفكر عظيم في الوقت نفسه. وهو لذلك لا بد أن يهتم، ويتأثر باكتشافات العلم المتفرقة وبقضاياه ومساجلاته، أو على الأقل بالحركات الفكرية التي تثيرها هذه. إن معارف العصر الجديدة، وكل ما تحدثه من التغيرات في معتقدات الناس الموروثة وآرائهم التقليدية في النظام الكوني وعلاقاتهم به، وكل ما تقدمه لهم وتضعه أمامهم من المشاكل والمسائل، لا محالة تسحره جوانبها العاطفية والروحية سحراً لا يقاوم؛ ثم أن ما يتراءى وراءها من خير للبشرية ومطامحها وآمالها أو من شرور، لا بد أن يسترعي التفاته ويستدعي اهتمامه. وعلى فرض أنه لا يتخذ موضوعات تأمله المباشر، فإنها تدخل إلى شعره من مسالك خفية لا تعد ولا تحصى، فتلونه بلونها وتطبعه بطابعها، كما تدخل في تفكير عصره الجاري فتلونه بلونها وتطبعه بطابعها إذن فبعيد كل البعد عن الحق أن الشاعر لا صلة له بالعلم ومعارفه، بل هو على الضد من ذلك، لا يستطيع مطلقاً أن