هناك حكيم آخر من أولئك التلاميذ، وهو:(تشوانج - تسيه) الذي عاش في النصف الثاني من القرن الرابع قبل المسيح وعاصر (مانسيوس) الذي سنتناوله بعد أستاذه (كونفيشيوس)
يروي لنا المؤرخون إن هذا الحكيم شغل في مطلع شبابه مركزاً سياسياً هاماً، ولكنه لم يكد ينضج حتى عاف السياسة واعتزل الخدمة وقصر حياته على البحث والتأليف، وفي أثناء ذلك بلغت كفايته مسمع الملك، فبعث إليه رسوله بهدية عظيمة وطلب إليه أن يقبل منصب وزير في الدولة، فلما عرض عليه الرسول ذلك أجابه بقوله: إن هذا المبلغ عظيم إذا قيس إلى حالتي وإن منصب الوزير منصب محسود، ولكن ألم تر في حياتك أن الثور الذي خصص للذبح في أحد المعابد ثم أخذوا يطعمونه حتى سمن ثم أحاطوا جسمه قبل ذهابه إلى المذبح بالحلي والمجوهرات ليكون منظره جميلا، ألم تر أن هذا الثور ساعة دخوله إلى المعبد يتمنى أن لو كان خنزيراً صغيراً حتى يعفى من الذبح، ولكن هذا التمني لا يجديه فتيلا؟ أذهب إذن من هنا ولا تهني بمحضرك فأنا أفضل أن أنام في قناة حمئة مليئة بالأوحال على أن أذعن لتقاليد البلاط والتزاماته.
ويحدثوننا كذلك أن هذا الإفراط في التمسك بالكرامة والمحافظة على حرية الرأي قد جر عليه حياة مليئة بالصعوبات والأشواك، ولكنها مليئة كذلك بالاحترام، والإجلال إلى حد أن روت لنا إحدى الأساطير أن أخرى زوجاته من كانت الأسرة المالكة
مؤلفاته ومذهبه
روى التاريخ أن هذا الحكيم قد كتب ثلاثة وثلاثين كتاباً وأن هذه الكتب كلها قد جمعت تحت عنوان واحد وهو:(المناهج الحقيقية لزهور بلاد الجنوب) ولكن المدققين من المؤرخين يرون أنه لم يثبت له شخصياً إلا نحو عشرة كتب كتبها بخطه؛ أما الباقي فهو مجموعة مكونة من آرائه وآثاره مع شروح وتعاليق تلاميذه.
أما مذهبه فيمكن أن يدرس من ثلاث نواح: الناحية الأولى النظرية؛ وفيها لم يكن يختلف عن أستاذه (لاهو - تسيه) في شيء، إذ هو يرى معه أن العقلية البشرية قاصرة عن إدراك (التاو) بواسطة المعرفة الثقافية التي لا تتناول إلا الحقائق النسبية أما (المطلق) فهو لا يعرف إلا عن طريق الانفعال النفساني، وإن كل محاولة لمعرفة هذا (المطلق) عن طريق التفكير المنطقي آيلة ضرورة إلى الفشل المحقق بعد أن تقود صاحبها إلى صحراء قاحلة