للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كتاب المساكين

أخرج الرافعي كتابه هذا في سنة ١٩١٧، وهو الكتاب الرابع مما ألفه الرافعي في المنثور، وثاني ما ألف في الأدب الإنشائي، ويعرف به الرافعي في الصفحة الأولى منه فيقول: هو كتاب (أردت به بيان شيء من حكمة الله في شيء من أغلاط الناس)

وقدم له بمقدمة بليغة في معنى الفقر والإحسان والتعاطف الإنساني يقول فيها:

(هذا كتاب حاولت أن أكسو الفقر من صفحاته مرقعةً جديدة. . . فقد والله بليت أثواب هذا الفقر وإنها لتنسدل على أركانه مزقاً متهدلة يمشي بعضها في بعض، وأنه ليفلقها بخيوط من الدمع ويمسكها برقع من الأكباد ويشدها بالقطع المتنافرة من حسرة إلى أمل وأمل إلى خيبة وخيبة إلى هم؛ وأقبح من الفقر ألا يظهر الفقر كاسياً أو تكون له زينةً إلا من أوجاع الإنسانية أو المعاني التي يتمنى الحكماء لو أنها غابت في جماجم الموتى الأولين. . .)

والكتاب فصول شتى، ليس له وحدة تربط بين أجزائه، إلا أنه صور من الآم الإنسانية كثيرة الألوان متعددة الظلال، تتلقى عندها أنة المريض، وزفرة العاشق، ودمعة الجائع، وصرخة اللهفان المستغيث؛ فهنا صورة (الشيخ علي) الرجل الذي يعيش بطبيعته فوق الحياة وفوق الناس لأنه يعيش بنعمة الرضى، وإلى جانبه قصة الغني الشيخ الذي حسب أنه سيطر على الحياة لأنه ملك المال، وهذه صاحبته الحسناء الصغيرة التي انتشلها الشيخ بماله من الفقر الجائع فوهب لها المال ولكنها سلبها نعمة الشعور بالحياة، وهذه، وهذه. . . من صور المساكين الذين يعيشون يحتسون الدموع أو يتطهرون بالدموع.

وأول أمر الرافعي في تأليف كتاب المساكين، أنه كان في زيارة أصهاره في (منية جناج) فلقي هناك الشيخ علي، والشيخ علي هذا رجل يعيش وحده ليس له جيب يمسك درهما، ولا جسد يمسك ثوباً، ولا دار تؤيه، ولا حقل يغل عليه؛ يجوع فيهبط على أول دار تلقاه يتناول ما يمسك رمقه، ويدركه النوم فيتوسد ذراعه حيث أدركه النوم من الدار أو الطريق، رجل يعيش بطبيعته فوق كل آمال الناس، وآمال الحياة، ولقيه الرافعي وأستمع إلى خبره فعرف من فلسفته فلسفة الحياة، ووجد عنده الحل لكل ما في نفسه من المشكلات، فكان هذا الكتاب من وحي الشيخ علي الفيلسوف الصامت في الرافعي الأديب، واجتمعت له مادة الكتاب في مجلس واحد لم ينطق فيه أحد بكلمة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>