فيريحهم من شره. . . وانطلق ليلاب - وهذا هو أسم الكلب - وراء الثعلب، كما يمرق السهم عن القوس، أو كما تمرق النظرة الخاطفة عن العين النجلاء؛ وما انفك يحاوره ويداوره، وينبح به فيزلزله، حتى هم أن يفتك به ويمزقه إرباً. . . ولكن حدث أن كانت الآلهة تطلع من فلال الأولمب، تتفرج بهذا الطراد، وشرح صدورها بمرآه، فالتفت بعضها إلى بعض، وعز عليها أن يقتل كلب إلهي ثعلباً إلهياً أمام الملأ من الناس، فقضوا لتوهم أن ينقلب الاثنان فيكونا تمثالين من المرمر الناصع، فهما كذلك إلى اليوم!!
وأسف سيفال على كلبه، وأنقلب على عقبيه غضبان صعقا. . . ولم يزل في كل يوم، وفي مثل تلك الساعة التي حاقت بكلبه العزيز هذه النازلة، يتوجه إليه، ويقف قليلاً عنده، حاناً لذكراه، آناً على ما حل به، ثم ينطلق بعد، وفي يديه رمح ديانا، فيصيد الظباء وليس معه ليلاب
وانطلق مرة في إثر ظبي فأنهك قواه، ونال منه الإعياء، وانسدح على العشب الأخضر في فيء دوحة باسقة، ثم راح يتخلج من شدة التعب؛ وكان الوقت ظهراً، وكان القيظ قد أجج الدنيا حوله فتفصد العرق من جسمه المنهوك، وتراخت عضلاته ووهنت روحه، وأنشأ يردد كلاماً كالأغنية يرسله هكذا:
أين أنت يا نسمة؟ يا ابنة الربيع اللعوب
يا منعشة الروح المتعبة، أين أنت؟
هلمي يا نسْمة، هلمي إلى سيفال،
فهو مشوق إليك، يرجو لو تنفسين عنه؛
هلمي يا نسمة ففرجي عن سيفال المضني،
وهبي على رأسه الملتهب، وصدره المكروب؛
لقد كنت يا نسمة، يا أحلى قُبل الحياة،
تداعبين جبيني، وتنعشين نفسي،
فماذا حال بينك وبيني، يا نسمة الربيع،
وساقية الحب، ورسول المحبين. . .
وكانت أورورا ما تفتأ تتعقب سيفال في كل فج، وترقبه في كل حنية؛ وكانت تقف في