ثم جعل يدب في هيئته تلك، حتى كان لدى باب الحديقة فطرقه؛ وكانت بومونا تقطف الزهر وتضع منه باقات تقدمها لصويحباتها عرائس الغاب في مثل ذلك اليوم من كل أسبوع. . . فلما لمحت العجوز تتهالك على نفسها بباب حديقتها، أسرعت إليها وحيتها أحسن تحية وألطفها، ثم فتحت لها وأدخلتها، وكانت الخبيثة - أو كان الخبيث - تبالغ في إظهار الضعف وتعمُّل الإعياء، فكانت بومونا تسندها من هنا، وتشد أزرها من هناك. . . حتى وصلتا آخر الأمر إلى ضُلّة وارفة ذات أفياء، يعرش فوقها كرم نضير تدلى جناه الحلو الناضج، يغازل العيون والأحشاء؛ وأشارت العروس إلى العجوز كي تجلس على إحدى الأرائك التي صُفت عليها الوسائد والحُسْبانات ففعلت، ولكن. . .؟ بعد أن أخذت بفَوْدَي بومونا. . . وطبعت على ثغرها القبلة الأولى الحارة. . . قبلة الأماني والأحلام!!
لقد شُدهت بومونا من أسر هذه القبلة، لأنها من تلك القُبَل الفاترة الباردة التي تخرج من شفاه العجائز كزمهرير الشتاء، بل كانت قبلةً ناعمةً فيها خمر ولها حُمَيّا، وفيها شعر وموسيقى، وفيها روح وامقة صادية كانت تتردد على شفتي العجوز كأنما حاولت أن تلقي في صدر الفتاة بكل أسرارها!!
ولولا أنها كانت عجوزاً حَيْزَبوناً لعشقتها بومونا. . .
ووثبت الفتاة فقطفت عِزقاً من العنب وقدمته للضيفة العجوز. . . ولكنها بدلاً من أن تجدها تهش للثمر الجني الشهي وجدتها غائبة عن رشدها. . . أو. . . كالمغشي عليها! ترى! ماذا أصاب أخانا فرتمنوس المختبئ في جلد هذه العجوز؟! آه! مسكين! إنه لم يكد يفيق من سحر القبلة، حتى رفع بصره إلى بومونا، فشهد العجب العاجب، والجمال النادر، والحسن الباهر، والرونق والبهاء والرواء!! لقد شهد الساقين الجميلتين والقدمين الصغيرتين وشهد الركبتين الرائعتين الملتفتين. . . وقليلاً من الفخذين اللجينيتين. . . فاستطير لبه، وصبا قلبه، وشردت أفكاره، وغشي عليه؟!
ولما أفاق - أو أفاقت العجوز - سألتها ماذا أصابها، فشكت وطأة السنين وضعف البدن، وتهافت أعضائها من الكبر؛ ثم شكرت لها عِزق العنب، وأخذت في أكل حباته، وهي تخالس العروس النظرات. . . ثم نظرت إلى الكرم العارش فوقهما، وأرسلت من أعماقها آهة طويلة حامية، ثم قالت تحدث الفتاة: