للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حتى ولو كان الخلاف يقاس بأقل من جزء من الألف من الميليغرام أو الميليمتر) فكلما أغفل المرء دقائق هذه الفروق بين الأشياء في العلم ضل؛ ومهما يكن من أمر صراعه واجتهاده في الوصول إلى الحقيقة على أساس هذا الإغفال فإنه مخفق في النهاية. لا محالة أن العلم لا يعرف إلا الدقة المطلقة؛ والذي لا يصبر على هذه الدقة لا يستطيع أن يكون عالماً. ولم يخلق كل الناس ليكونوا علماء. على إن التمرس بالدقة في الوصول إلى الحقائق أمر لازم في التربية

والرجل العلمي متأن متحفظ، فهو لا يسرع في إبرام حكمه على شيء حتى تتوفر لديه الأدلة كافية عليه. وإن من أكثر ما يصم الباحث هو الوصول إلى استنباطات فجة قائمة على عدد قليل من الحقائق. لا يتعجل الوصول إلى فرض جديد أو نظرية حديثة ليتعجل شيئاً لنفسه، فإن الفرض أو النظرية إذ تنهار فيما بعد تنهار على صاحبها. وهو لا يتحيز إلى نفسه ولا إلى أي فرض أو نظرية. إنه ينظر إلى الحقائق مجردة

والرجل العلمي إنسان واضح صافي الذهن صافي الفكرة. وهو يعي أنه يدرك الأمور على حقائقها. فأنت تعرف أن بعض الناس يؤكدون أنهم يعرفون أشياء على وجه ما، فإذا الحقيقة أنها على وجه آخر. إنهم لا يعرفون متى يعرفون شيئاً ومتى لا يعرفونه. وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا علماء أو تتم لهم ثقافة. وكما أن الرجل العلمي واضح الفكرة فهو صافي العبارة كذلك. إنه حين يعبر عن شيء يعبر عنه بأبسط الكلمات وأوجز العبارات؛ ومن هنا كانت لغة العلم الصحيحة سهلة. وأثر الأسلوب العلمي في أدب العصر فانتحى السهولة الممتنعة. فالرجل العلمي لا يستعمل لفظة تحتمل معنيين أو جملة تشير إلى مفهومين، بل تكون عبارته قاصدة واضحة

وبالجملة يكون الرجل العلمي رجل ثقافة وعقلية علمية. فهو بطبعه يحب الصدق والوضوح والإيجاز والتدقيق في قبول ما يعرض على عقله من حقائق وأقوال

ونجمل فنقول: إن الطريقة العلمية في بحث مسألة من المسائل تقتضي:

١ - أن يجمع العالم من الحقائق والمشاهدات على المسألة التي يبحث فيها جهد ما يستطيع. ويجب أن يتأكد من صحة الحقائق والمشاهدات بالقياس الدقيق

٢ - أن ينسق ما يصل إليه من الحقائق

<<  <  ج:
ص:  >  >>