الأخبار وتناهبا روائع الأشعار على كؤوس المدام، فما شملتهم بالفرح الشمول حتى أمر المضيف غلامه بالغناء فغنى:
يا مالكي وهو ملكي ... وسالبي ثوب نسكي
نزه يقين الهوى في ... ك عن تعرض شك
لولاك ما كنت أبكي ... إلى الصباح وأبكي
فانتشيا من راحين، وطربا بمدامين، واستسلما للمرح، وأسلما زماميهما إلى النشوة والفرح، فاقترح المضيف على الضيف (أن يشي ليلتهما بشيء يكون لها طرازاً ولذكرها معلماً) ففعل وأنشد ارتجالاً:
وليلة أوسعتني ... حسناً، ولهوا، ً وأنساً
ما زلت ألثم بدراً ... بها، وأشرب شمساً
إذ أطلع الدير سعداً ... لم يبق مذبان نحساً
فصار للروح مني ... روحاً وللنفس نفساً
فطربوا وقصفوا ما طاب لهم الطرب والقصف، وقد وشى ليلتهما بقصيدة طويلة جميلة النسج سنية الخيال نورد منها قوله:
جَنينا جنيَّ الورد في غير وقته ... وزهر الرُّبا من روض خديه والثَّغر
وقابلنا من وجهه وشرابه ... بشمسين في جنحي دجى الليل والشَّعر
وغنى فصار السمع كالطرف آخذاً ... بأوفر حظ من محاسنه الزُّهر
وأمتعنا من وجنتيه بمثل ما ... تمزج كفاه من الماء والخمر
سرور شكرنا منة الصحو إذ دعا ... إليه، ولم نشكر به منة السكر
مضى وكأني كنت فيه مهوماً ... يحدث عن طيف الخيال الذي يسري
أليست أبياته كلها وهي في موقف ينسي الحياء سخية به كريمة بالاحتشام؛ ليس فيها هناة تأخذها عليه فتاة، ولا خيال تعافه الحييات أو تتنكر له الناسكات؟
ويذكرني وصف ليلته أبياتاً لشاعرنا العظيم محمود سامي باشا البارودي حذا فيها حذو أبي الفرج، فوصف ليلة قال:
وليلة من ليالي الأنس صافية ... بلغت بالراح فيها كل مقترحي