قتلتها بعد أن نام الخلي بها ... بغادة لو رأتها الشمس لم تلح
فكيف لا تدرك الأفلاك منزلتي ... والبدر في مجلسي والشمس في قدحي
ولكن شتان بين الليلتين، فليلة البارودي إحدى ليالي أنسه الكثيرة، وهي لم تزد على أنها ليلة صافية، بلغ فيها مقترحه لا أمنيته؛ وما أسهل ما يبلغ الإنسان ما يقترح! أما ليلة الببغاء فليلة فريدة في حسنها حافلة بلهوها مفعمة بأنسها؛ وكيف لا تكون كذلك وهو يلثم بدراً ويرشف شمساً؛ أما صاحبه فإنه يجالس البدر أو يخالسه، وينظر إلى الشمس كما ينظر إليها عابر سبيل، وفرق بين من يلثم ويشرب، ومن يجالس وينظر، وأين هو من قول الببغاء؟
فصار للروح مني ... روحاً وللنفس نفساً
وكان على المحتذي أن يفوق المحتذى به، ويجلي في الميدان الذي اختاره لمنازلته فيه لا أن يجيء مصلياً بينا الأول مرتجل والثاني متئد، ولكن ذلك ما لم يستطع له شاعرنا بلوغاً. ولننتقل إلى الحديث عن شعره
تأثر أبو الفرج في شعره خطوات شاعرين ملأ ذكرهما الآفاق، وذاع صيتهما في الشام والعراق، هما أبو تمام والبحتري، فقد كان اسماهما في عصره لا يزالان أرفع أسماء الشعراء فتأثر بهما، فأولع بالبديع ولعاً شديداً، وأوغل فيه أعظم إيغال، فإنك لا تكاد تجد بيتاً ليس فيه نوع من أنواع البديع، وهذا هو ما أخذه عن أبي تمام، ولكنه لم يغرب في ألفاظه إغرابه ولا تعمد الكلمات الجزلة والعبارات الضخمة ذات الموسيقى الصاخبة والرنين القوي التي أوخذ عليها أبو تمام، حتى وجد في عصره من النقدة من ينكر عليه عبقريته بل شاعريته، فإن كلفه بالإغراب وشغفه بضخامة الألفاظ كان سبباً في غموض بعض معانيه. وأخذ عن البحتري الألفاظ العذبة والأخيلة الشائقة التي لا تصك الآذان، ولا تثقل على الأسماع، ولا تدفع بالقارئ إلى قطيعة الشعر جرياً وراء المعجمات تارة، وإمعاناً في تفهم المعميات من المعاني أخرى، فأخذ من طريقتيهما بالحسنيين، وكاد يجلي في الحلبتين. ولا أدعي أنه بذهما أو ساواهما ولكني أعتقد أنه عدا خلفهما فلم يتخلف، ونهج بعض نهجهما دون أن يتكلف، فشعره سهل معبد لا تكتنفه جنادل، ولا تحوطه مفاوز، بل هو مما يلذ الأديب العريق، ويفهمه المتأدب الرقيق. وسأورد من شعره غير ما أوردته في