و (هي) أديبة فيلسوفة شاعرة؛ فمن ذلك كان حبها وكان حبه (من خصائصها أنها لا تعجب بشيء إعجابها بدقة التعبير الشعري. . . إنها تريد أن تجمع إلى صفاء وجهها وإشراق خديها وخلابتها وسحرها، صفاء اللفظ وإشراق المعنى وحسن المعرض وجمال العبارة، وهذا هو الحب عندها. . .)
(ولا يستخرج عجبها شيء كما يعجبها الكلام المفنن المشرق المضيء بروح الشعر؛ فهو حلاها وجواهرها؛ وما لسوق حبها من دنانير غير المعاني الذهبية؛ فإنها لا تبايعك صفقة يد بيد، ولكن خفقة قلب على قلب)
وكذلك تحابا، وتراءيا قلباً لقلب، وتكاشفا نفساً لنفس، ومضى الحب على سنته. ونظر الرافعي إليها وإلى نفسه وراح يحلم، وخيل إليه أنه يمكن أن يكون أسعد مما هو لو أنها. . . ولو أنها كانت زوجته. . . ثم عاد إلى نفسه يؤامرها فأطرق من حياء. . . وكانت خطرة عابرة من خطرات الهوى أطافت به لحظة وما عادت. وقالت له نفسه وقال لنفسه، فكأنما انكشفت له أشياء لم يكن يراها من قبل بعيني العاشق، وأوشكت القصة أن تبلغ نهايتها وتنحل العقدة، فجاءت كبرياؤه لتخط الخاتمة. . .
وراح الرافعي يوماً إلى ميعاده، وكان في مجلسها شاعر جلست إليه تحدثه ويحدثها؛ ودخل الرافعي فوقفت له حتى جلس، ثم عادت إلى شاعرها لتتم حديثاً بدأته، وجلس الرافعي مستريباً ينظر؛ وأبطأت به الوحدة، وثقل عليه أن تكون لغيره أحوج ما يكون إليها، ونظر إلى نفسه وإلى صاحبه، وقالت له نفسه:(ما أنت هنا وهي لا توليك من عنايتها بعض ما تولي الضيف. . .؟)
فاحمر وجهه وغلا دمه، ورمى إليها نظرة أو نظرتين، ثم وقف واتخذ طريقه إلى الباب. . . واستمهلته فما تلبث، وكتب إليها كتاب القطيعة. . .!
وعاد إليه البريد برسالتها تعتذر وتعتب وتجدد الحب والإخلاص في أسطر ثلاثة، ولكن الرافعي حين وجد كبرياءه نسي حبه، وكان هو الفراق الأخير. . .!
كان ذلك في يناير سنة ١٩٢٤
وثابت إليه نفسه رويداً رويداً، وخلا إلى خواطره وأشجانه ليكتب رسائل الأحزان!