للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسومة من سجيل ألحقت بهم أذى كبيراً. . . ولم تنفع معها سيوفهم ولا قِسّيهم شيئاً، فاختبأت كل كوكبة منهم في قمرتها، وخلا جاسون إلى عصاه السحرية يستشيرها ماذا يصنع لينجو بقبيله من هذا الطير، فتكلم الرأس العجيب فأشار بأن يضرب الجنود بأغماد سيوفهم على دروعهم ضرباً شديداً فيحدث صوتاً تنزعج الطير منه، وتفر مروّعة إلى غير عود. . . ودعا جاسون جنوده ففعلوا كما أشارت العصا، وفرت الطير ذاهلةً ممزقةً في رجب السماء

وحاق بهم كوارث أخرى لا حصر لها. . . ثم اقتربوا من برزخ سِمْبِلْجِيدز الذي ليس لمسافر إلى مملكة كولخيس سبيل غيره. . . وهو مضيق رهيب يصل ماء بحرين وعلى كل من عُدوتيه صخرة هائلة، فما تزال الصخرتان تنطبقان وتنفرجان، بحيث تسحقان كل شيء يحصل بينهما فيصيرانه هباءً عفاءً كأن لم يغْن من قبل. . . وكأيّن من سفينة جازف ملاحوها بالمرور بينهما، فحطمتهم وعفت على آثارهم. . . ولم يدر جاسون ماذا يصنع، وجلس رفاقه يقلّبون الأكف على ما أنفقوا في مخاطرتهم هذه، وظلوا ينظرون إلى الصخرتين ساعاتٍ وساعات وهما ترتطمان وتبتعدان، وكلما سمعوا قصيفهما يجلجل في الآفاق جعلوا أصابعهم في آذانهم حذر الغشية وتَقِيّةً من الصمم. . . وخلا جاسون إلى عصا جونو يستوحيها ماذا يفعل، فما كانت غير لحظات حتى تكلم الرأس العجيب، فأشار بأن يطلق جاسون حمامةً بين الصخرتين حين تنفرجان، ويرى هل تمرق قبل أن تنطبقا عليها، ثم يرى، هل يستطيع أن يمرق ملاحوه بسفينتهم بمثل سرعة هذه الحمامة. . .؟ ودعا جاسون رجاله يستشيرهم، ثم أطلقوا الحمامة البيضاء كما أشارت العصا، وكم كان عجبهم شديداً حين رأياها تفلت من بين الصخرتين إلا ريشةً واحدة انتُزعت من ذنبها فصارت هباءً نثره الهواء! واستعدوا للمقاحمة، وطفقوا يقيسون مسافة ما بين البحرين في البحر الذي هم فيه، ثم يطلقون حمامة كالتي أطلقوا، بحيث يعملون مجاذيفهم حين تنطلق في الجو. . . وأعادوا التجربة مثنى وثلاث ورباع، حتى وثقوا من قدرتهم على قطع المسافة في مثل البرهة التي قطعتها فيها حمامتهم الأولى. . . ودفعوا سفينتهم إلى أول المضيق، وانتظروا حتى أوشكت الصخرتان أن تنفرجا، ثم أعملوا مجاذيفهم بأذرع مستبسلة، وأرواح ترتعد فَرَقاً من الموت في أبدانها، فمرقت السفينة كما يمرق السهم عن سِيَة القوس. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>