للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واحربا!! لقد استطاعوا أن يفلتوا بفلكهم، وإن حطمت الصخرتان سكانها، كما حطمتا ريشة ذيل الحمامة من قبل؟!

وما كادوا ينجون من هذه الموتة المحققة، حتى انسدحوا في الفلك يلهثون ويتنفسون، ويهنئ بعضهم بعضاً. . .

وبلغوا كولخيس بعد عناء وبعد جهد، ومثلوا بين يدي إيتيس ملكها الجبار، فسلّم جاسون بسلام الملوك، ثم سئل عن طلبته فقال:

- عَزّ نصر مولاي، لقد تجشّمنا مشاق هذه السفرة في سبيل الفروة الذهبية التي يقتنيها ملك الملوك، لأنه نُمي إليّ أنها كانت من تراث آبائي. . . ولا أدري كيف حصل عليها السيد بعد إذ أفلتت من كنوزنا

وقهقه الملك ملء شدقيه كالساخر المستهزئ، ثم ربت على كتف جاسون وقال:

- أيْ بني! أَبق على شبابك الغض، وجمالك الفينان، وعلى شباب هذه النخبة أولي القوة والفتوة الذين معك. . .! أي فروة ذهبية يا بني تبتغي؟ وتراث آبائك من؟! لقد ذبح فركسوس الكبش بيديه أمام عيني، وسلخه بين يدي، وضحى باللحم والحوايا للآلهة، ثم أهدى إليّ الفروة الذهبية التي تعدل كنوز الدنيا بأسرها! ففيم إذن تجشمك تلك المشاق، وفيم مجازفتك بالسفر بين صخرتي سمبلجيدر؟! وفيم كل تلك المهاوي والمهالك؟ عد يا بني إلى بلادك فهو خير لك، وأبق على حياتك، وانعم بحضن أمك الدافئ فهو أرحب لك من ميدان كله ذؤبان وغيلان، ومنايا تثير الأشجان والأحزان!

وتبسم جاسون وتشبث بما سأل الملك، فأخذ إيتيس يعظه وينصحه، فلما رأى تصميمه واستمساكه، قال له:

- (لك إذن ما طلبت يا بني، ولكن اسمع، وأصغ إليّ؛ إن أمامك مخاطر كنت أوثر ألا تلقي بنفسك في تهلكتها، ولكن مادمت قد غرتك الأماني، وازدهتك هذه النخبة من أبطال بني جلدتك، فاذهب إذن، وحاول ما استطعت أن تلجم عِجْليْ فلكان الهائلين اللذين ينقذف اللهب من منخريهما، ويفتكان بكل من اقترب منهما؛ ثم حاول بعد ذلك أن تحرث بهما الأرض الجَبوب التي تقدست باسم مارس، فإذا فعلت فازرع ما حرثت بأنياب تنين كما فعل قدموس باني طيبة، فإنك لا تلبث أن ترى الأرض تُنبت جيلاً من المَرَدَة مقنعين في الحديد

<<  <  ج:
ص:  >  >>