للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بلغت رشدها وخرجت على وصاية (الحدود الحاسمة) أو على وصاية الأسماء والأفعال التي لا تميز بينها الظروف والإضافات

وليس أصعب من إفهام عقل حاسم يتحذلق ويقيم الاعتراضات على ما سمع. فأنت إذا قلت مثلاً: إن النهار مضيء والليل مظلم، فذلك تفريق من أصدق التفريقات بين الأضداد: يسمعه العقل المتصرف فيعلم ما تعنيه لأول وهلة، ويسمعه العقل الحاسم المحدود المتحذلق فيقول لك: كيف؟ إن النور الكهربائي يضيء بعض الحجرات بالليل، وإن الستائر لتلقى الظلام على بعض الحجرات بالنهار! وقس على ذلك أمثال هذه الاعتراضات وما تنم عليه من الضيق والعجز وقلة التصرف والتواء التفكير

وإلا فانك إذا أردت أن تمنع ذلك الاعتراض وأشباهه فقد وجب عليك أن تقول: إن النهار مضيء والليل مظلم، ثم تتبع هذا التفريق بإحصاء جميع الحجرات التي تحجبها الستائر والنوافذ وجميع الحجرات التي تضيئها المصابيح الكهربائية وغير الكهربائية، وتعود فتقول: إن النهار مضيء والليل مظلم ماعدا حجرة في بيت زيد في طريق كذا في مدينة كيت وكيت بمصر بالقارة الإفريقية، وهكذا حتى تستوفي بيان جميع الحجرات في جميع الطرقات في جميع المدائن في جميع الأقطار. فإن لم تذهب إلى هذا التفصيل فأقل ما في الأمر أن تعمد إلى استثناء لا حاجة إليه ولا مزيد فيه

فما الذي يدعو العقل المحدود إلى أشباه ذلك الاعتراض؟ أَدقة في فهم؟ كلا! بل عجز عن إدراك الحدود بغير إملاء حاسم وعجز عن طلب المعرفة يشغله بالقشور عن اللباب وبالتوافه عن مهام الأمور

وهنا ينبعث لنا من التمثيل مثل آخر للتفريق بين العقل المتصرف المفوض والعقل الحاسم المسخر

فهل من الضروري أن يلجأ العقل المتصرف إلى التفريقات والظروف في تعبيراته؟

وهل إذا قال القائل: (إن النهار مضيء والليل مظلم) نحسبه من أصحاب اللغات الغنية التي يتكلمها المتصرفون أو من أصحاب اللغات الفقيرة التي يتكلمها المحدودون المغلقون؟

الجواب هنا ينفع فيه التصرف المطلق، ولا ينفع فيه الحسم المغلق!

الجواب هنا أن ذلك القائل يكون من المتصرفين إذا قدر أن سامعيه لا يعترضون على ذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>