الاعتراض السخيف ولا يطالبونه ببيان الحجرات في جميع البيوت والطرقات والأمصار والقارات، أو باستثناء هو وذلك على حد سواء. فإذا هو سكت بعد تفريقه الموجز فسكوته خير من الإفاضة والتشعيب
وأنه يكون من المحدودين إذا قال:(إن النهار مضيء والليل مظلم) ثم سكت عن المزيد لأنه يجهل مواقع الاستثناء كما يجهلها سامعوه
فالتصرف لازم في جميع التفريقات حتى التفريق بين المتصرفين والمحدودين
ومن ثم نستطيع أن نقول: إن (الظروف) والتفريقات تكثر في اللغات الغنية، ثم نرى أن أصحاب تلك اللغات قد يستغنون عن الظروف والتفريقات ويعرفون كيف يستغنون عنها ومتى يحسن الاستغناء؛ فلا نعجل بالاعتراض ولا نحسب أننا متناقضون، لأن التصرف خليق أن ينفي هذا التناقض الظاهر عن أذهاننا وأن يغنينا عن الإسهاب حيث لا حاجة إلى إسهاب
ساقني إلى موضوع الحد الحاسم رأيٌ في علاقة الأدب والديمقراطية قرأته في كتاب (لونارد وولف) المسمى بعد الطوفان، وسأعود إليه ببعض الشرح والتعليق في غير هذا المقال
وخلاصة رأيه أن الشعراء والقاصين كانوا يرسمون للناس قبل القرن السابع عشر نماذج من طوائف وجماعات. أما بعد القرن السابع عشر وانتشار الديمقراطية فأبطال القصص (أفراد) مستقلة قلما تتكرر في غمار السواد، وليست نماذج من طبقة أو طائفة أو قبيل
وعلاقة الديمقراطية بهذا في رأي (لونارد وولف) ومن يجارونه أن المساواة قد خولت الفرد حربة الظهور فبرزت الخصائص واستحقت من الشعراء والكتاب عناية لم تكن تستحقها حين كان الجمهور أرقاماً متكررة على نموذج واحد، أو حين كان النبلاء طرازاً مرسوم المراسم لا يختلف فيه إنسان عن إنسان
رأي جميل لا شك في صدقه واحتوائه للكثير من الأصول والملاحظات ودلالته على سعة المعرفة وحسن التحليل والتعليل
ولكن ما نصيب ذلك الرأي لو وقع للمحدودين من أصحاب الحدود الحاسمة ومن جماعة المطالبين بتعداد الحجرات إذا قيل إن النهار ضياء والليل ظلام؟