وأجل ما عند الفوارس حثها ... في طاعة الهرب الجياد القودا
حتى إذا ما فارق الرأي الهوى ... وغدا اليقين على الظنون شهيدا
لم يغن غير أبي شجاع والعلا ... عنه تناجى النصر والتأييدا
وتكفينا في وصف الحرب هاتان القطعتان فهما تغنيان عن قصائد وتبينان عما له في الوصف الحربي من قدم راسخة وأخيلة سامية؛ ولنعرض لأشياء أخرى وصفها فأجاد، فمن ذلك قوله يصف فرساً:
إن لاح قلت: أدُمية أم هيكل؟ ... أو عنَّ قلت: أسابح أم أجدل
تتخاذل الألحاظ في إدراكه ... ويحار فيه الناظر المتأمل
فكأنه في اللطف فهم ثاقب ... وكأنه في الحسن حظ مقبل
وهو من أجود ما وصفت به الجياد، ومن أحسن ما استحدث في تشبيهها بالفهم الثاقب والحظ المقبل، كما أنه أتى في وصف سرعتها بما لم يأت به الكثير ممن وصفوها قبله؛ فأي سرعة تلك التي تتخاذل الألحاظ دون إدراكها، ويحار الطرف المتأمل في معرفة كنهها؟ ومن قصيدة له في وصف النرجس وهي من خير ما قيل فيه:
ونرجس لم يعد مبيضه ال ... كأس ولا أصفره الراحا
تخال أقحاف لجين حوت ... من أصفر العسجد أقداحا
كأنما تهدِي التحايا به ... لطفاً إلى الأرواح أرواحا
يلهى عن الورد إذا مارنا ... ويخلف المسك إذا فاحا
أحبب به من زائر راحل ... عوض بالأحزان أفراحا
فانتهز الفرصة في قربه ... وكن إلى اللذات مرتاحا
وله يصف الورد، وقد ألمَّ في الأبيات بوصف مجلس الأنس فأبدع في الغرضين، وفوق فأصاب في الرميتين، وأتى بأنواع من البديع أزهر من أزهار الربيع، فأشرقت ديباجة شعره عن در منضود وأسفرت عن جوهر منظوم قال:
زمن الورد أظرف الأزمان ... وأوان الربيع خير أوان
أدرك النرجس الجني وفزنا ... منهما بالخدود والأجفان
أشرف الزهر زار في أشرف الده ... ر فَصِلْ فيه أشرف الإخوان