للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لا يدركه غير العارف؛ ولو درى شيئاً من اصطلاحات الباطنية الذين قالوا تائهين ضالين ما قالوه في (رسائل إخوان الصفاء) ما جاءوا خابطي عشوة، وصاروا في عصر البحث والتحقيق ضحكة. ومن قذف بمقال لا ينصره نص ولا يسانده دليل، فهو هذِر، وكلامه هدَر. . .

واعلم أن هذه الإسماعيلية لم تظهر فيها حتى اليوم كتب قديمة تبين كيفية بدئها وحقيقة حالها تبييناً صحيحاً موضحاً شافياً، ولم يهد بحث الباحثين في هذا الزمن إلى شيء من ذلك

قلت مرة لعالم عاقل إسماعيلي: دعْ قول الإسماعيلية في أصلها ودع حديث خصمها، فهل أوصلك تحقيقك الناقد، وتفتيشك المدقق، إلى مصدرها الصحيح ومنبعها؟

فقال: لا

فنحن من نشوء هذه النحلة في ظلمات بعضها فوق بعض. ولعل كتباً قديمة تنجم فتضيء هذا الليل المظلم. ورب علماء محققين لا يجتزئون بالقريب المعروف، بل يمشون أقوياء أشداء صابرين في فلوات البحث فيصلون إلى (عين المعرفة)؛ وربّ غوَاصين يغوصون في بحور البحث والتنقيب غوْصات إثر غوصات فيخرجون لنا شيئاً. ولن يجيء بالدر إلا الغواصون الماهرون

فصل في مناجاة المعز لدين الله

قال هذه:

(إلهي) كنت رتقك، قبل أن تظهر فيّ بفتقك، وأوجدت عني خلقك، وصدرت عني دنياك في الذات والأسماء والصفات. ولست أنا بك متصلا، ولا عنك منفصلا، إذ أنا بك تبعيض، وأنا راجع إليك عند النقلة والتفويض. انقلْ الصورة كيف تشاء، وأعط النور الإلهي لمن تشاء بما قدمت أيديهم ولا نضْم مثقال ذرة. (إلهي) أني كما أنت عظيم في سلطانك، وأنا قدرتك وبرهانك، وإرادتك ومكانك. (إلهي) بمعرفة بي استجبْ وسلمْ وأشرقْ ألوانك، وأني وجدتك بعد أن عرفتني التلاقي، واتلف واضمحل. (إلهي) وأُفني من جهلك، وفاز وبقي من عرفني بالبداية وفضّلك. (إلهي) أترى يعرفك سواك، ويدنو منك إلا إياك، أم يعدو إليك من خرج عن طاعتك، وطاعة حدودك وأوليائك. إلهي بك استدللت ومنك وصلت وإليك (إلهي) ليس غيري لك حجاب، فكيف الوصول إليك من غير باب، فأنا منك بحيث النهوض

<<  <  ج:
ص:  >  >>