بازاء امرأة؛ فما هو إلا أن يرى واحدة لها ميزة في النساء حتى يتحرك دمه وتنفعل أعصابه؛ وما كان - رحمه الله - يرى في شدة الإحساس بالرجولة وفي سرعة الاستجابة العصبية إلى المرأة إلا أنها أحد طَرَفي النبوغ، أو أحد طرفي النبوَّة كما كان يقول؛ فما كان يرى له وقاية من سحر المرأة حين يحس أثرها في نفسه إلا أن يسرع في الفرار. وكثيراً ما كان يقول:(الفرار الفرار؛ إنه الوسيلة الواحدة إلى النجاة من وسوسة الشيطان وغلبة الهوى. . .!)
وقالت له نفسه:(ما أنت وهذا الحب الذي سلبك الإرادة وغلبك على الكبرياء ويوشك أن يهوى بك من وسوسة النفس وفتنة الهوى إلى أرذال البشرية. . .؟)
فكان لصوت النفس في أعماقه صدى بعيد. . .
وكان يحبها ليجد في حبها ينبوع الشعر، فما وجد الحب وحده، بل وجد الحب والألم وثورة النفس وقلق الحياة؛ ووجد في كل أولئك ينابيع من الشعر والحكمة تفيض بها نفسه، وينفعل بها جنانه، ويضيء بها فكره؛ وكان آخر حبه الألم، وكانت آلامه أول قدْحة من شرار الشعر والحكمة. . .
وقالت له نفسه:(هاقد بلغتَ من الحب ما كنت ترجو، فلم تبق إلا الغاية الثانية وإنك عنها لَعَفٌّ كريم. . .!)
هي فتاة ذات جمال وفتنة، ولها لسان وبيان، وما يمنعها دينها ولا شيءٌ من تقاليد أهلها أن يكون لها مجلس من الرجال في ساعة في يوم من كل أسبوع، يضم من شعراء العربية ورجالاتها أشتاتاً لا يؤلفها إلا هذا المجلس المعطر بعطر الشعر وعطر المرأة الجميلة؛ أفتراهم يجتمعون في دارها كل أسبوع لتتوارى منهم خلف حجاب فلا سمر ولا حديث؟
والرافعي غيور شموس كثير الأَثرة لا يرضيه إلا أن يكون على رأس الجماعة، أو هو نفسه رأس الجماعة. . .
وقال له نفسه:(أأنت هنا وحدك أم ترى لكل واحد من هؤلاء هنا هوى وحبيبا. . .؟)
وكانت القطيعة بين الرافعي وبينها من أجل ذلك كله: من أجل أن له ذاتا وكبرياء، وما يريد أن تفنى ذاته وكبرياؤه في امرأة؛ ومن أجل أنها فيلسوفة وشاعرة، وما تجتمع الفلسفة والحب في قلب حواء؛ ومن أجل أنها أنثى وأنه رجل له دين ومروءة وزوجة ودار؛ ومن