الديمقراطي البرلماني حرر الفرد من تبعيته تبعية مطلقة للحاكم المستبد وغالى في ذلك، وكان من الطبيعي أن يفضل مصلحة الجماعة لأنها لم تكن الهدف للكفاح وإنما الذي كان مقصوداً يسعى لتحقيقه هو حرية الفرد ومصلحته
بقيت مصلحة الجماعة مغفلة وحرية الفرد معكوساً فهمها، فلما جاء النظام الشيوعي عمل من جديد على تقييد سلطة الفرد الشعبي وخصوصاً في الناحية المالية، وقصر حق التملك على الدولة التي حلت في الواقع محل الفرد في النظام الديمقراطي البرلماني.
ثم لم يكتف هذا النظام بما فعله نحو الطبقة الأرستقراطية من حد سلطتها بل بالغ في معاداتها، أو هو أساء فهم خصومتها كما أساء فهم نصفة الشعب فجاء نظاماً غير عادي ولا مألوف، نظاماً استبدادياً لا يتفق مع فطرة الفرد ولا مع طبيعة الجماعة
بينما اكتفى النظام الفاشستي بما وقف عنده النظام البرلماني في وضع حد الحكم الأرستقراطي وإن خالفه في فهم معنى الحرية والمساواة. ولذا أجاز لنفسه التدخل في وضع علاقة للرأسمالية مع الفرد العامل، وهو تدخل للمصلحة العامة ولمنع الجفاء بين طبقات الشعب المختلفة. وقد كان من أثر هذا التدخل أن توحدت الأمة، وقد صارت وحدتها في النهاية عن رضا وفهم متبادل بين الطبقات، بينما يتحول اتجاه عداوة الشعب وجفائه في الأمم الديمقراطية البرلمانية من الأرستقراطيين إما إلى الطبقة الحاكمة لأنها تخص نفسها بما له وتضن عليه بما يؤمنه على حياته الضرورية ثم تنظر إليه نظرة صغار لأنها (مهذبة) دونه، وإما إلى أصحاب رؤوس الأموال لعنتهم وتشددهم في حفظ مصالحهم الخاصة
غاية أنواع الحكم الديمقراطية المختلفة ومعايبها
وإذن فالنقص الذي أخذ أسلوب الحكم الحديث على نفسه العمل لتلافيه هو عدم التوازن إما في علاقة الطبقة الأرستقراطية بالشعب، أو في علاقة أصحاب رؤوس الأموال بالطبقات الفقيرة، أو في ارتباط مصلحة الفرد بالجماعة
ومن الطبيعي أن تكون الغاية الإيجابية لأسلوب الحكم في الوقت الحاضر، ولو على سبيل الادعاء، تحقيق الإخاء والمساواة، وبعبارة أخرى العمل على سيادة العدل الإنساني
فالنظام الديمقراطي البرلماني نظر إلى هذه الغاية نظرة إفراط أو نظرة من ناحية واحدة،