فبينما هو يشل سلطة الهيئة الأرستقراطية إذا به يبيح لأصحاب رؤوس الأموال بمقتضى إفراطه في منح الفرد حريته التحكم في الطبقة العاملة؛ وبذلك اختل توازن العلاقة من جديد ولكن بين طبقتين من الشعب
والنظام الشيوعي ينظر لتحقيق هذا الإخاء وتلك المساواة نظرة هوج وخيال، فبدل أن يتناول علاقة الطبقة الأرستقراطية بالشعب، ثم علاقة أصحاب رؤوس الأموال بالطبقات العاملة، بالتسوية تناولها بالهدم، فزالت الأرستقراطية وزالت الرأسمالية واختل توازن العلاقة مرة أخرى وأصبحت علاقة حاكم مستبد، مخادع مغرر، بأفراد شعب سلبوا الحقوق الفطرية والاجتماعية بدل المساواة المزعومة
والنظام الفاشستي نظر إليها نظرة قاصرة على الحدود الطبيعية للأمة، فعمل على التوازن أيضاً، ولكن جعل مقياسه مصلحة الجماعة من الشعب؛ فلا داعي لاضطهاد الأرستقراطيين إذا لم يسيئوا لمصلحة الجماعة، كما يجب التدخل في حرية الفرد إذا هددت تلك المصلحة بالخطر. ولأن هذا النظام قصر جهوده على الأمة كان نظاماً وطنياً بحتاً، بينما المعنى الدولي متحقق بكل معانيه في النظامين السابقين قبله. ولذا كانت اليهودية العالمية من ألد خصوم الفاشستية وأعز أنصار الديمقراطية البرلمانية والديمقراطية الشيوعية وإن أزالت هذه الأخيرة نظام رؤوس الأموال لأنها لا تنكر عليهم التوطن في أي جهة
فالرأسمالي اليهودي لا يبيح لنفسه في دولة ديمقراطية فاشستية باسم حرية الفرد أن يطغى على الطبقة الفقيرة كطغيانه في فلسطين التي تتبع في سياستها الرئيسية بلداً ديمقراطياً برلمانياً. فهناك في فلسطين يباح لليهودي المالي أن يجرد العربي الساذج من كل ما يملك، وفي الوقت نفسه يذل العرب في مجموعهم باسم حرية التملك. وإذا طلب من حكومة فلسطين أن تتدخل في الأمر لمصلحة الجماعة أجابت بأنها لا يمكنها ذلك لما فيه من اعتداء على حرية الفرد. أما المصلحة العامة فهي ضحية تلك الحرية التي لم تفهم على وجهها الصحيح. وأما مجموع الشعب فلا مانع من فنائه تدريجياً مادام الفرد يتمتع بحريته التامة
والواقع أن هذا عكس الطبيعة، ولا يقر أحد في أي بقعة من بقاع الأرض أن المجموع يفنى لمصلحة الفرد كما لا يقر تضحية الشعب محافظة على تنفيذ نصوص القانون
وقد يظن لأول الأمر أن النظام الفاشستي هو المعتدل من هذه النظم الثلاثة. وقد يكون في