لقد التقيا وما بينهما شابكة ولا يربطهما سبب؛ فما كانت إلا نظرة وجوابها حتى ارتبطا قلباً إلى قلب؛ وكان الأدب رباط بينهما أول ما كان، ثم استجرهما الحديث إلى فنون من الكلام فكشفت له عن آلامها وكشف لها عن آلامه فكان عطف وإشفاق؛ ثم تحدثت عن أحلامها وتحدث عن أحلامه، فكان الحب؛ ثم. . . ثم كانت القطيعة حين بلغ الحب غايته ونال مناله من نفسها ومن نفسه، فافترقا حين كان يجب أن يبدأ اللقاء ليتذوقا سعادة الحب ويقطفا من ثمراته. . . وضرب الدهر من ضرباته فإذا هو تحت الرغام، وإذا هي في المستشفي تتمرض من داء هيهات أن تجد له الدواء!
لم تكن (هي) تقصد الحب ولا تعمدته ولا كان هو، ولكنها أديبة تعرف موازين الكلام، لقيت الأديب الذي تعجب به ويفتنها بيانه، فأحبته (عقلاً جميلا) كما تسميه في بعض رسائلها. . .
وكان سعيه إليها يلتمس الشعر والحكمة، والشعر والحكمة هما رابطتها إليه وفاتنتها به؛ فتصنعت له لتفنه وتزيده شعراً وحكمة، ثم تصنعت لتزيده، ثم تصنعت لتزيده، ثم تصنعت لتزيد هي به؛ لأنها وجدت به نفسها، ووجدت به الشعر والحكمة والبيان؛ فأحبته (أستاذها ومرشدها) لأنه أوحى إليها ما عجز دونه الآخرون، لأنه فجر لها ينبوع الشعر وعلمها البيان هكذا تقول في بعض رسائلها. . .
وهي فتاة لم يسالمها الدهر ولم تزل منذ كانت - غرضاً لسهام الأيام، تنوشها الآلام من كل جانب، ولها نفس شاعرة تضاعف أحزانها فتجعل لها من كل همٍّ همين، وإن حواليها لكثيراً من الأصدقاء يزدلفون إليها ويخطبون ودها، ولكن. . . ولكنها تريد الصديق الذي يستمع إلى شكواها من الأيام فتستريح إليه، أكثر مما تريد الصديق الذي لا تسمع منه إلا كلمات الزلفى والتحبّب واصطناع الهوى والغرام. . . وتحدث إليها الرافعي وتحدثت إليه، وقصت عليه من أحزانها فاخضلّتْ عيناه وأطرق فوضعت يدها على يده وهي تقول:
(سأدعوك أبي وأمي متهيبة فيك سطوة الكبير وتأثير الآمر، وسأدعوك قومي وعشيرتي، أنا التي أعلم أن هؤلاء ليسوا دواماً بالمحبين؛ وسأدعوك أخي وصديقي، أنا التي لا أخ لي ولا صديق؛ وسأطلعك على ضعفي واحتياجي إلى المعونة، أنا التي تتخيَّل فيّ قوة الأبطال ومناعة الصناديد!