وذهب الفتى وقد اضطرم بين جنبيه جحيم من النقمة على عمه، فلقي أول من لقي ميديا
- ماذا، فيم أنت مقطب هكذا يا حبيبي؟
- لا شيء. . . لا شيء مطلقاً!
- لا شيء؟ وكيف؟ ألا تفهم ميديا ما في نفسك؟ حدثني ولا تخْفِ عليّ!
- لا شيء وحقك يا ميديا
- أوَ مُصرٌّ أنت على كتمان دخيلتك عني؟ إذن لقد كان أبوك يعظك!
- أجل! وبهذه المناسبة أريد أن أقول لك كلمة. . .
- قل يا حبيبي! تكلم يا جاسون!
- إن لك إلماماً تاماً بغرائب السحر، وعلم التعاويذ والرُّقَي ولقد نفعني علمك في أحرج مواقفي. . . ولن أنسى مساعدتك يوم لقيت عِجْلَيْ فلكان، وحاربت المردة، وقتلت التنين. . . إنما فعلت كل أولئك بمعونتك، ولي رجاء إليك. . .
- رجاء؟ أي رجاء يا حبيبي؟ إنما أنت تأمر. . .
- شكراً! ألا تستطيعين يا ميديا أن تردي الشباب إلى أبي؟ إنه رجل شيخ محطم، وإن الأيام لتنحدر به إلى القبر، كما تنحدر صفوانة من شاهق. . . فهل عزيز على علمك أن ترديه إلى ما ولى من الصبى؟. . . خذي من عمري فَصِلي عمره إن استطعت! أتوسل إليك يا ميديا أن تفعلي!. . .)
- اطمئن يا حبيبي فليس أيسر مما طلبت، وسأرده إلى ميعة شبابه بقليل من العناء. . . وسأزيد في عمره ما أحببت. . . على ألا تنقص سنوك شيئاً بل تزيد إن شئت؟!
لقد كان البدر تماً، والليل الفضي الجميل أروع ما ينثر لجينه على الطبيعة النشوانة، وكل ما في البرِّية نائما ساكناً، والعشب الحلو كان نائماً كذلك. . . وكانت ميديا تخطر كالشبح الأبيض بين الآكام وملء الأدغال حتى أتت إلى ربوة تشرف على كل ما حولها فصعدت فوقها. . . وتلبثت قليلا تفحص الطبيعة الرائعة في الأرض والسماء بعينيها الجبارتين ثم بدأت تتلو تعاويذها وتقرأ رُقاها. . . وترسل للنجوم صلاة سحرية كان يحملها الليل الصامت إلى أرجاء السماء وإلى القمر الحالم الساهم. . . ثم سبحت سبحاً طويلاً باسم هيكاتيه ربة السفل والسحر، وباسم تللوس ربة هذه الأرض العجيبة النائمة التي تنبت البقل