بفتيل قابل للالتهاب يطيله كيف شاء، ثم يشعله فتسري فيه النار، حتى إذا وصلت إلى البارود في خزانته الصغيرةفانطلق بانطلاقه (النتروجلسرين). وهذه أول مرة عُرفت أطلق فيها ناسف يناسف، وهو احتيال لعب دوره الكبير في الناسفات، ولا يزال يلعبه كبيرا إلى وقتنا هذا، وبه أفلت (النتروجلسرين) من خيبة محققة، إلا أنه ما كاد يذيع حتى ذاعت بذيوعه فواجع ونكبات لوصول أيدٍ غير خبيرة إليه. وزاد في خطرة قوامه المائع ومظهره الرطب الهادئ، فطمأن اليه بلهاء نالوا منه حتوفهم. كان ينقل على عربات تجرّ، فذات مرة صرت العجل وصرّ فما كان من صاحبنا الحوذي الطيب القلب إلا أن شحمها بالزيت الذي يحمل. وكان الحطابون يزيتون به أحذيتهم ويدهنون به أعنة خيولهم، وبعد ذلك يحكونها ويلمعونها. وتكررت الحوادث وتتابعت انفجارات ذهبت إحداها بأخي نوبل، فسنت الحكومات القوانين بتحريم بضاعته، وثار حنق الجماهير على نوبل إذ تمثلوه رجلا لا قلب له يسعى لصالح نفسه، ويطلب المال مما فيه دمار الناس. عندئذ ضاعف نوبل جهده وحشده قواه ليؤمن الناس من شر تلك النكبات. فبحث عن جسم صلب مساميّ يمتص النتروجلسرين. وبعد تجارب عدة في هذا السبيل وجد أن (الكيزلجور) يمتص أكثر من سواه. والكيزلجور طفيل ذو مسام كثيرة، أصلة نباتات من الطحالب العائمة التي تعيش في البحار والأنهار على السواء ذات خلية واحدة متسلس جدارها، ماتت فرسيت هياكلها فتكونت منها طبقات كثيرة ُتستعدن الآن. وهي في الجلاء وفي أراض أخرى. فخلط نوبل سحيق هذا الطفل بثلاثة أمثاله من النتروجلسرين فتشربه وتكون منها خليط ناسف أسماه (الديناميت) كان أضعف من النتروجلسرين قوة ولكنه كان أكثر أتزانا منه وأقل حسا بالصدمات وآمن في النقل، فأطمئن الناس إليه وذاع أمره في البلاد شرقا وغربا.
الا أن هذه الرخاوة في مزاج الديناميت والهدوء في طبعه لم تعجبا نوبل (وساءه) أن يُحصِّل الأمن بإضاعة شدة الناسف ويشتري الطمأنينة ببيع شيء من قوة الانفجار، فقام لساعته ينقب عن مفجر جديد يجمع إلى شدة النتروجلسرين وأمن الديناميت، يشفع قوة الأول بطمأنينة الثاني، فخرج بعد الكد والصبر والتعرض للأخطار إلى مخلوق جديد أسماه (الجيلاتين الناسف) وهو مزيج من مادتين كلتاهما ناسفة، أولاهما (النتروجلسرين) وأخرهما (النتروسليولوز) وهو القطن بعد معالجته بحامض الازوتيك، ويتألف من خلطهما