للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإلمام بأدب هذه اللغة الإنجليزية التي كان يحسبها ميشيل - لصعوبتها في نظره - من لغات الشياطين! فما ماريا وهذه المجلة الإنجليزية يا ترى؟ وما لها هي وما للأدب الإنجليزي والمسرح الإنجليزي؟! ونظر أسف الصورة ليقرأ اسم صاحبتها. . . ولشد ما كانت دهشته عظيمة هائلة إذ وجد اسم صاحبة الصورة (إيزابل هايس)!! المؤلفة الكبيرة والقصصية البارعة، التي طالما قرأ لها روائع وآيات مترجمة إلى لغته الإيطالية؟!

لا بأس. . . إنه لم يحصل مرة على صورة ماريا، وهاهي ذي صورة إيزابل لا تفترق عنها في شيء. . . فليحتفظ إذن بها، وليجعلها بين شموع وضاءة تلتهب بالقبس المقدس الذي يتأجج ملء قلبه. . . وليصلَّ لها كل مساء وحين يصبح. . . وليذكر في فمها الرقيق الصغير تلك الأقحوانة التي كانت تنفرج عنها شفتا حبيبته. . . ولتباركه الصورة المستعارة بكلمات صامتة لا تبين، فقد كانت ماريا لا تبين كذلك. . . وليرَ هو في وجهها الوضاء جمالاً جديداً كل يوم جديد، وليعش على الأماني يبهرجها لنفسه، ولا بأس من أن يضع الصورة كلما نام تحرسه عند رأسه. . . وبالاختصار، لتكن حياته أحلاماً في أحلام. . .

غير أن الفندق صار شيئاَ كريهاً لا يطاق، لأن ماريا لم تعد ترسل في أجوائه أنفاسها. . . بيد أنه مع ذاك جميل محبب لأن في كل ركن من أركانه ذكرى لماريا تغذي أحلام ميشيل، وترسل دموعه كلما جفت؛ وهو مع ذاك أيضاً هيكل حبه الأول الذي استيقظ فيه قلبه من سبات العدم فخفق بنعمة الهوى. . . لهذه المتناقضات سيقيم ميشيل فيه. . . وليكن رئيس الخدم بعد شهر أو شهرين، وليتضاعف راتبه، وليشتر بجانب كبير منه كثيراً من قصص إيزابل هايس التي لم يقرأها، لأنه أصبح يرى في آثار هذه الكاتبة الإنجليزية روح ماريا. . . . وليحاول أن يتعلم الإنجليزية ليقرأ المؤلفة في لغتها، وليفشل في هذه المحاولة، فقد أوري إحساساً شريفاً نحو صورة لسيدة تشبه ماريا، وكفى بذلك برهاناً على وفائه لذكرى فتاة لم تعرف قط أنه يهواها. . .

وأقبل فوج من (السياح) عظيم من أغنياء الإنجليز فنزلوا في هذا الفندق، وأعجبوا بحديقته إعجاباً شديداً، فقد كانت ظلال الأبنين البنفسجية تعكس على نضرتها وخضرتها ألواناً شعرية تصول فيها الأرواح وتجول

وحان موعد الغداء فانتشر النازلون في بهو المطعم الوردي، وجلسوا إلى موائدهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>